والقَولُ الثاني: إنْ زادَ الحَرامُ على الثُّلثِ حَرُمَ الأكلُ، وإلَّا فلا، قدَّمه في «الرِّعايَة»؛ لأنَّ الثلُثَ ضابطٌ في مَواضعَ.
والقَولُ الثالثُ: إنْ كانَ الحَرامُ أكثَرَ حَرُمَ الأكلُ، وإلا فلا؛ إقامةً للأكثَرِ مَقامَ الكلِّ، قطَعَ به ابنُ الجَوزيِّ في «المِنهاج»، نقَلَ الأثرمُ وغيرُ واحدٍ عن الإمامِ أحمدَ ﵀ فيمَن وَرِثَ مالًا فيه حرامٌ: إنْ عرَفَ شيئًا بعَينِه رَدَّه، وإنْ كانَ الغالِبَ على مالِه الفَسادُ تَنزَّه عنه، أو نحوُ هذا، ونَقلَ حَربٌ في الرجلِ يُخلفُ مالًا: إنْ كانَ غالبُه نهبًا أو ربًا يَنبغي لوارثِه أنْ يَتنزَّه عنه، إلا أنْ يكونَ يَسيرًا لا يُعرَفُ، ونقَلَ عنه أيضًا: هل للرَّجلِ أنْ يَطلبَ مِنْ وَرثةِ إنسانٍ مالًا مُضارَبةً يَنفعُهما ويَنتفعُ؟ قالَ: إنْ كانَ غالبُه الحرامَ فَلا.
والقَولُ الرابعُ: عَدمُ التَّحريمِ مُطلقًا، قَلَّ الحَرامُ أو كَثُرَ، لكنْ يُكرهُ وتَقوَى الكراهةُ وتَضعفُ بحَسبِ كَثرةِ الحَرامِ وقلَّتِه، جزَمَ به في «المُغنِي»، و «الشَّرح»، وقالَه ابنُ عَقيلٍ في فُصولِه وغيرُه، وقدَّمَه الأزَجيُّ وغيرُه، قلتُ: وهو المَذهبُ على ما اصطَلحْناه في الخُطبةِ، وأطلَقَهنَّ في «الفُروع» في بابِ صَدقةِ التطوُّعِ و «الآداب الكُبرى» و «القَواعِد الأُصولية»، قالَ في «الفُروع»: ويَنبني على هذا الخِلافِ حُكمُ مُعامَلتِه وقَبولُ صدَقتِه وهِبتِه وإجابةُ دَعوتِه ونحوُ ذلكَ، وإنْ لم يَعلمْ أنَّ في المالَ حَرامًا فالأصلُ الإباحةُ، ولا تَحريمَ بالاحتِمالِ، وإنْ كانَ تركُه أَولى؛ للشَّكِّ، وإنْ قَوِيَ سَببُ التحريمِ فظَنُّه يَتوجهُ فيهِ كآنيةِ أهلِ الكِتابِ وطَعامِهم. انتهى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute