للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهم اتَّفقوا أيضًا -أو كادُوا أنْ يَتفِقوا- على أنَّ القَضاءَ بينَ الناسِ لا يَحصلُ إلا لمَن رَقَى في رُتبةِ الاجتهادِ.

وهذا صَحيحٌ على الجُملةِ، ولكنْ إذا فُرضَ خُلوُّ الزَّمانِ عن مُجتهِدٍ يَظهرُ بينَ الناسِ وافتَقروا إلى إمامٍ يُقدِّمونَه لجَريانِ الأحكامِ وتَسكينِ ثَورةِ الثائِرينَ والحِياطةِ على دِماءِ المُسلمينَ وأموالِهم فلا بُدَّ مِنْ إقامةِ الأمثَلِ ممَّن ليسَ بمُجتهِدٍ، لأنَّا بينَ أمرَينِ: إما أنْ يُتركَ الناسُ فَوضى، وهو عَينُ الفَسادِ والهَرجِ، وإمَّا أنْ يُقدِّموهُ فيَزولُ الفَسادُ بتَّةً ولا يَبقى إلا فَوتُ الاجتهادِ، والتقليدُ كافٍ بحَسبِه، وإذا ثبَتَ هذا فهو نَظرٌ مَصلحيٌّ يَشهدُ له وَضعُ أصلِ الإمامةِ، وهو مَقطوعٌ به بحَيثُ لا يَفتقرُ في صحَّتِه ومُلاءَمتِه إلى شاهدٍ، هذا وإنْ كانَ ظاهِرُه مُخالفًا لِما نَقَلوا مِنْ الإجماعِ في الحَقيقةِ إنما انعَقدَ على فَرضِ أنْ لا يَخلوَ الزمانُ مِنْ مُجتهدٍ، فصارَ مثلُ هذهِ المَسألةِ ممَّا لم يُنصَّ عليهِ، فصَحَّ الاعتمادُ فيه على المَصلحةِ (١).

الشَّرطُ السادِسُ: أنْ يكونَ قُرشيًّا:

أجمَعَ كلُّ مَنْ يُعتدُّ به مِنْ أهلِ السُّنةِ وفُقهاءُ المَذاهبِ على أنه يُشترطُ في الإمامِ الأعظَمِ القُرشيَّةُ، أي أنْ يكونَ نَسبُه مِنْ قُريشٍ؛ لِما رَواهُ بُكيرُ بنُ وَهبٍ الجَزريُّ قالَ: قالَ لي أنَسُ بنُ مالكٍ : أحدِّثُكَ حَديثًا ما أحدِّثُه كلَّ أحَدٍ أنَّ رَسولَ اللهِ قامَ على بابِ البيْتِ ونحن فيه فقالَ: «الأئمَّةُ مِنْ قُريشٍ، إنَّ لهم علَيكُم حقًّا ولكُم عليهِم حقًّا مثلَ ذلكَ، ما


(١) «الاعتصام» (٢/ ١٢٦، ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>