للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ السُّبكيُّ: ضَرورةٌ نافِعةٌ لا تَراها في شيءٍ من كُتبِ الأُصولِ، فإنَّك إذا سمِعتَ أنَّ الجَّرحَ مُقدَّمٌ على التَّعديلِ، ورَأيتَ الجَّرحَ والتَّعديلَ، وكُنتَ غِرًّا بالأُمورِ، أو فَدمًا مُقتصِرًا على مَنقولِ الأُصولِ، حَسِبتَ أنَّ العَملَ على جَرحِه، فإيَّاك والحذرَ كلَّ الحذرِ من هذا الحُسبانِ، بل الصَّوابُ عندَنا أن مَنْ ثبَتَت إِمامتُه وعَدالتُه، وكثُرَ مادِحوه ومُزكُّوه، وندُرَ جارِحوه، وكانَت هناكَ قَرينةٌ دالَّةٌ على سَببِ جَرحِه، مِنْ تَعصبٍّ مَذهبيٍّ أو غيرِه، فإنَّا لا نَلتفِتُ إلى الجَرحِ فيه، ونَعملُ فيه بالعَدالةِ، وإلا فلو فتَحْنا هذا البابَ، وأخَذْنا تَقديمَ الجَرحِ على إِطلاقِه، لَما سلِمَ لنا أَحدٌ من الأَئمةِ، وإذا ما من إمامٍ إلا وقد طعَنَ فيه طاعِنونَ، وهلَكَ فيه الهالِكونَ (١).

٣ - عِبادتُه :

عن أسدِ بنِ عَمرٍو: أنَّ أَبا حَنيفةَ صلَّى العِشاءَ والصُّبحَ بوُضوءٍ أَربعينَ سَنةً (٢).

وعن بِشرِ بنِ الوَليدِ عن القاضِي أَبي يُوسفَ قالَ: بينَما أنا أَمشي معَ أَبي حَنيفةَ، إذ سمِعْت رَجلًا يَقولُ لآخرَ: هذا أَبو حَنيفةَ لا يَنامُ اللَّيلَ. فقالَ أَبو حَنيفةَ: واللهِ، لا يُتحدَّثُ عني بما لم أَفعلْ، فكانَ يُحيِي اللَّيلَ صلاةً وتَضرُّعًا ودُعاءً (٣).


(١) «قاعدة في الجرح والتعديل» (٥٤، ٥٩) باختصار.
(٢) «سير أعلام النبلاء» (٦/ ٣٣٩).
(٣) «سير أعلام النبلاء» (٦/ ٣٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>