للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الكَمالُ بنُ الهُمامِ : فهذا ليسَ بمُثلةٍ، والمُثلةُ ما كانَ ابتِداءً على غيرِ جَزاءٍ، وقد جاءَ في صَحيحِ مُسلمٍ: «إنَّما سمَلَ النَّبيُّ أعيُنَ أولئك؛ لأنَّهم سمَلوا أعيُنَ الرِّعاءِ»، ولو أنَّ شَخصًا جَنى على قَومٍ جِناياتٍ في أعضاءٍ مُتعدِّدةٍ فاقتُصَّ منه لما كانَ التَّشويهُ الذي حصَلَ له من المُثلةِ … وحاصِلُ هذا القَولِ أنَّ المُثلةَ بمَن مثَّلَ جَزاءٌ ثابِتٌ لم يُنسَخْ، والمُثلةُ بمَن استحَقَّ القَتلَ لا عن مُثلةٍ لا تَحِلُّ لا أنَّها مَنسوخةٌ؛ لأنَّها لم تُشرَعْ أوَّلًا؛ لأنَّ ما وقَعَ للعُرنيِّين كانَ جَزاءَ تَمثيلِهم بالرِّعاءِ (١).

وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ فيما تَضمَّنتْه قِصةُ العُرنيِّين من أحكامٍ: وفيه المُماثَلةُ في القِصاصِ وليسَ ذلك من المُثلةِ المَنهيِّ عنها (٢).

وقالَ ابنُ القَيمِ في «الفِقهِ المُستنبَطِ من حَديثِ العُرنيِّينَ»: وفيها مِنْ الفِقهِ … أنَّه يُفعَلُ بالجاني كما فعَل؛ فإنَّهم لمَّا سمَلوا عَينَ الراعي سمَلَ أعيُنَهم، وقد ظهَرَ بهذا أنَّ القِصةَ مُحكَمةٌ ليسَت مَنسوخةً وإنْ كانَت قبلَ أنْ تَنزِلَ الحُدودُ، والحُدودُ نزَلَت بتَقريرِها لا بإبطالِها. واللهُ أعلَمُ (٣).

حَملُ رأسِ الكافِرِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حَملِ رأسِ الكافِرِ بعدَ قَتلِه على ثَلاثةِ أقوالٍ: فقالَ الحَنفيةُ بجَوازِه، وقالَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ بكَراهَتِه إلا إذا كانَ لمَصلَحةٍ


(١) «شرح فتح القدير» (٥/ ٤٥١).
(٢) «فتح الباري» (١/ ٣٤١).
(٣) «زاد المعاد» (٣/ ٢٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>