للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - الحَجْرُ على المَريضِ:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهِبِ الأربَعةِ على أنَّ المَريضَ مَرَضَ المَوتِ المَخوفِ الذي يَنشَأُ المَوتُ عنه عادةً -وإنْ لَم يَغلِبِ المَوتُ عنه- مَحجورٌ عليه فيما زادَ على ثُلُثِ مالِه حَقًّا لِلوَرَثةِ، سَواءٌ كان ذَكَرًا أو أُنثى، سَفيهًا أو رَشيدًا؛ لِحَديثِ أبي هُرَيرةَ مَرفوعًا: «إِنَّ اللهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عندَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ» (١)، فأخبَرَ بأنَّه ليس لَهم إلا الثُّلُثُ، ولا زيادةَ عليه. ولأنَّ الأُصولَ دالَّةٌ على أنَّ حُضورَ سَبَبِ المَوتِ بمَنزِلةِ حُضورِ المَوتِ بعَينِه، بدَليلِ أنَّه لو أعتَقَ لَكانَ مِنَ الثُّلُثِ، ولو وَهَبَ لِوارِثِه شَيئًا لَم يَجُزْ ذلك؛ إذْ لا يَجوزُ أنْ يُوصيَ له، وإذا كان كذلك ثم لَم يَجُزْ أنْ يُوصيَ بعدَ المَوتِ بأكثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، فكذلك لا يَجوزُ له أنْ يَهَبَ في المَرَضِ أكثَرَ مِنَ الثُّلُثِ.

وأمَّا المَرَضُ الخَفيفُ -نَحوَ رَمَدٍ وصُداعٍ وحُمَّى خَفيفةٍ ومَرَضٍ بيَدٍ أو رِجْلٍ، وجَرَبٍ مِنْ كلِّ ما لا يَنشَأُ عنه المَوتُ عادةً- فلا حَجرَ فيه.

والحَجرُ على المَريضِ يَكونُ في تَبرُّعٍ -كهِبةٍ وصَدَقةٍ وحَبسٍ ووَصيَّةٍ- إذا زاد التَّبرُّعُ على ثُلُثِ مالِه، لا في الثُّلُثِ فدُونَ (٢).


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه ابن ماجه (٢٧٠٩).
(٢) يُنظر: «المبسوط» (٢٤/ ١٦٧)، و «العناية» (١٣/ ٢١٥)، و «الشرح الكبير» (٤/ ٤٩٨، ٤٩٩)، و «تحبير المختصر» (٤/ ١٧٥)، و «شرح مختصر خليل» (٥/ ٣٠٤)، و «الشرح الصغير مع حاشية الصاوي» (٧/ ٣٧٠)، و «المقدمات الممهدات» (٣/ ١٢٦)، و «المعونة» (٢/ ٥١٠)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٠٨)، و «نهاية المحتاج» (٤/ ٤٠٥)، و «الديباج» (٢/ ٢٣٣)، و «النجم الوهاج» (٤/ ٣٩٦)، و «المغني» (٤/ ٢٩٥)، و «المبدع» (٤/ ٣٠٥)، و «كشاف القناع» (٣/ ٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>