للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُكمُ التَّكليفيُّ للإِقرارِ:

المُقَرُّ به مِنْ الحُقوقِ نَوعانِ:

النَّوعُ الأوَّلُ: أن يَكونَ لآدَميٍّ، أو حَقًّا للَّهِ تعالى لا يَسقُطُ بالشُّبهةِ -كالزَّكاةِ والكَفاراتِ- ودَعَت الحاجةُ إلى الإِقرارِ به لزِمَه الإِقرارُ به عندَ عامةِ الفُقهاءِ؛ لقَولِه تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النساء: ١٣٥] وَلا يَكونُ شَهيدًا على نَفسِه إلَّا بالإِقرارِ.

وهذا الحَقُّ لا يَصحُّ الرُّجوعُ فيه عن الإِقرارِ؛ لتَعلُّقِ حَقِّ المُقَرِّ له بالحَقِّ المُقَرِّ به، إلا إذا كذَّبَه المُقَرُّ له به، فحينَئذٍ يَصحُّ له الرُّجوعُ به.

فلو أنَّه أقَرَّ بدَينٍ لزَيدٍ أو إِتلافٍ أو قَذفٍ فإنَّه لا يَصحُّ الرُّجوعُ عنه ويَلزَمُه ما أقَرَّ به، إلا إذا كذَّبَه المُقَرُّ له كما قُلنا.

النَّوعُ الثانِي: أنْ يَكونَ حقًّا للَّهِ تعالى يَسقُطُ بالشُّبهةِ -كالزِّنا والسَّرِقةِ والشُّربِ- ولم يَظهَرْ عليه لم يَجبْ عليه أنْ يُقِرَّ به بل يُستحَبُّ له أنْ يَكتُمَه؛ لأنَّ هذه الحُقوقَ إنَّما شُرِعَت إِقامةً للدِّينِ ولتَحقيقِ مَصالِحِ المُجتمَعِ، وحُكمُ حَقِّ اللهِ ﷿ أنَّه تَنْفَعُ فيه التَّوبةُ فيما بينَ العَبدِ ورَبِّه، ويَصحُّ الرُّجوعُ عنه بَعدَ الإِقرارِ فيه؛ لأنَّ مَبنى حَقِّ اللهِ ﷿ على الدَّرءِ والسَّتْرِ.

ودَليلُ ذلك أنَّ النَّبيَّ عَرَّضَ لماعِزِ بنِ مالِكٍ بالرُّجوعِ عِندَما أقَرَّ على نَفسِه بالزِّنَا فقالَ لَه: «لعَلَّك قبَّلتَ، أو غَمزتَ، أو نَظرتَ». ومَعنى هذا الكَلامِ الإشارةُ إلى تَلقينِه الرُّجوعَ عن الإِقرارِ بالزِّنا وإِعذارُه بشُبهةٍ يَتعلَّقُ بها.

وقد قالَ رَسولُ اللَّهِ: «ادرَؤُوا الحُدودَ عن المُسلِمينَ ما استَطَعتُم، فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>