اختلَف الفُقهاءُ: هل يُشترطُ في مالِ الشَّركةِ أنْ يَختلِطَ المالانِ بحيث لا يَتميَّزانِ أو لا يُشترطُ؟
فذهَب الشافِعيَّةُ وزُفَرُ مِنَ الحَنفيَّةِ في إحدى الرِّوايتَيْن عنه إلى أنَّه يُشترطُ خَلطُ المالَيْن، بحيث لا يَتميَّزانِ؛ لِيَتحقَّقَ مَعنى الشَّركةِ؛ لأنَّ الشَّركةَ عبارةٌ عن الاختِلاطِ، وذلك إنَّما يَتحقَّقُ في المِلكِ والمُعتبَرِ في كلِّ عَقدٍ ما هو قَضيةُ اسمِ ذلك العَقدِ؛ كالحَوالةِ، والكَفالةِ، والصَّرفِ؛ فإذا خلَطا المالَيْن على وَجهٍ لا يُمكِنُ تَمييزُ أحدِهما عن الآخَرِ فيه فقد ثَبتتِ الشَّركةُ، فأمَّا قبلَ الخَلطِ فالشَّركةُ لَم تَثبُتْ، حتى إذا هلَك رأسُ مالِ أحدِهما كان هالِكًا عليه خاصَّةً، فلا تَثبُتُ شَركةُ العَقدِ، لأنَّ مَعنى الاختِلاطِ فيه لا يَتحقَّقُ مَقصودًا.
ولا بُدَّ مِنْ كَونِ الخَلطِ قبلَ العَقدِ؛ فإنْ وقَع بعدَ العَقدِ في المَجلسِ لم يَصحَّ على الصَّحيحِ؛ إذْ لا اشتِراكَ حالَ العَقدِ، فيُعادُ العَقدُ بعدَ ذلك.
والثاني: يَجوزُ إنْ وقَع في المَجلسِ بعدَ العَقدِ؛ لأنَّه كالعَقدِ.
فإنْ حصَل الخَلطُ بعدَ المَجلسِ لَم يَجُزْ على الوَجهَيْن، وهو الصَّحيحُ مِنَ المَذهبِ، ومالَ إمامُ الحَرمَيْن إلى جَوازِه؛ لأنَّ الشَّركةَ تَوكيلٌ وتَوكُّلٌ.
ولا يَكفي الخَلطُ مع إمكانِ التَّمييزِ بنَحوِ اختِلافِ جِنسٍ، كدراهِمَ ودنانيرَ؛ فإنْ خلَط حينَئذٍ وتَلِفَ نَصيبُ أحدِهما تَلِف عليه فَقطْ، وتَعذَّرت الشَّركةُ في البَقيَّةِ (١).
(١) «نهاية المطلب» (٧/ ٢٤)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٤٧٥)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٨٦)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٨)، و «النجم الوهاج» (٥/ ١٤).