الصُّورةُ الثالِثةُ: ألا يَشرِطَه الواقِفُ ولكنْ فيه نَفعٌ في الجُملةِ وبَدلُه خيرٌ منه رَيعًا ونَفعًا:
اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو كانَ في الوَقفِ نَفعٌ ولم تَتعطَّلْ مَنافعُه بالكُليَّةِ، لكنْ قَلَّتْ، وكانَ غيرُه أنفَعَ منه وأكثَرَ رَدًّا على أهلِ الوَقفِ، هل يَجوزُ استِبدالُه أم لا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ في المَذهبِ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنه لا يَصحُّ بَيعُهُ واستِبدالُه بغَيرِه.
قالَ الحَنفيةُ: إذا لم يَشتَرطِ الواقفُ الاستِبدالَ وللوَقفِ رَيعٌ وغَلَّاتٌ وغَيرُ مُعطَّلٍ ولكنْ في الاستِبدالِ نَفعٌ في الجُملةِ وبَدلُه خيرٌ منه نَفعًا ورَيعًا فلا يَجوزُ استِبدالُه على الأصَحِّ المُختارِ، قالَ ابنُ عابدِينَ ﵀: كذا حَرَّرَه العلَّامةُ قَنالي زَادَه في رِسالتِه المَوضوعةِ في الاستِبدالِ، وأطنَبَ فيها عليه الاستِدلالَ، وهو مَأخوذٌ مِنْ «الفَتح» أيضًا كما سَنذكُرُه عندَ قَولِ الشارحِ: «لا يَجوزُ استِبدالُ العامِرِ إلَّا في أربَع» ويَأتي بَقيةُ شُروطِ الجَوازِ.
وأفادَ صاحِبُ «البَحر» في رِسالتِه في الاستِبدالِ أنَّ الخِلافَ إنَّما هو في الأرضِ إذا ضَعُفتْ عن الاستِغلالِ، بخِلافِ الدارِ إذا ضَعُفتْ بخَرابِ بَعضِها ولم تَذهبْ أصلًا، فإنه لا يَجوزُ حِينئذٍ الاستِبدالُ على كُلِّ الأقوالِ.
قال: ولا يُمكِنُ قِياسُها على الأرضِ؛ فإنَّ الأرضَ إذا ضَعُفتْ لا يُرغَبُ غالبًا في استِئجارِها، بل في شِرائِها، أمَّا الدارُ فيُرغَبُ في استِئجارِها مُدَّةً طَويلةً لأجلِ تَعميرِها للسُّكنى.