للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هِبةُ المَرأةِ صَداقَها لزَوجِها:

قالَ أَبو بَكرٍ الجَصاصُ : وقد اختَلفَ الفُقهاءُ في هِبةِ المَرأةِ مَهرَها لزَوجِها، فقالَ أَبو حَنيفةَ وأبو يُوسفَ ومُحمدٌ وزُفرُ والحَسنُ بنُ زيادٍ والشافِعيُّ: إذا بلَغَت المَرأةُ واجتمَعَ لها عَقلُها جازَ لها التَّصرُّف في مالِها بالهِبةِ أو غيرِها بِكرًا كانَت أو ثَيبًا، وقالَ مالِكٌ: لا يَجوزُ أمرُ البِكرِ في مالِها ولا ما وضَعَت عن زَوجِها من الصَّداقِ، وإنَّما ذلك إلى أبيها في العَفوِ عن زَوجِها، ولا يَجوزُ لغَيرِ الأبِ من أَوليائِها ذلك، قالَ: وبَيعُ المَرأةِ ذاتِ الزَّوجِ دارَها وخادِمَها جائِزٌ وإنْ كرِهَ الزَّوجُ إذا أصابَت وَجهَ البَيعِ؛ فإنْ كانت مُحاباةً كانَ من ثُلثِ مالِها، وإنْ تصدَّقَت أو وهَبَت أكثَرَ من الثُّلثِ لم يَجزْ من ذلك قَليلٌ ولا كَثيرٌ. قالَ مالِكٌ: والمَرأةُ الأيِّمُ إذا لم يَكنْ لها زَوجٌ في مالِها كالرَّجلِ في مالِه سَواءٌ، وقالَ الأَوزاعيُّ: لا تَجوزُ عَطيةُ المَرأةِ حتى تَلدَ وتَكونَ في بَيتِ زَوجِها سَنةً، وقالَ اللَّيثُ: لا يَجوزُ عِتقُ المَرأةِ ذاتِ الزَّوجِ ولا صَدقتُها إلا في الشَّيءِ اليَسيرِ الذي لا بدَّ لها منه؛ لصِلةِ رَحمٍ أو غيرِها، ذلك مما يُتقرَّبُ به إلى اللهِ تَعالى.

قالَ أَبو بَكرٍ: الآيةُ قاضيةٌ بفَسادِ هذه الأَقوالِ، شاهِدةٌ بصِحةِ قَولِ أَصحابِنا الذي قدَّمنا؛ لقَولِه ﷿: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)[النساء: ٤] ولم يُفرِّقْ فيه بينَ البِكرِ والثَّيبِ، ولا بينَ من أقامَت في بَيتِ زَوجِها سَنةً ومَن لم تُقِمْ، وغيرُ جائِزٍ الفَرقُ بينَ البِكرِ والثَّيبِ في ذلك إلا بدِلالةٍ تَدلُّ على خُصوصِ حُكمِ الآيةِ في الثَّيبِ دونَ البِكرِ، وأجازَ مالِكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>