اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ التَّرتيبِ بينَ أَعضاءِ الوُضوءِ هل هو واجِبٌ أو سُنةٌ؟ على قَولَينِ:
القَولُ الأولُ: ذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في المَشهورِ والمُزنِيُّ وابنُ المُنذرِ وأبو نَصرٍ البَندنيجيُّ من الشافِعيةِ والإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّ التَّرتيبَ سُنةٌ مُؤكَّدةٌ من سُننِ الوُضوءِ، وليسَ واجِبًا من واجِباتِه فلو غسَلَ ذراعَيه أو رِجلَيه قبلَ أنْ يَغسلَ وَجهَه أو قدَّمَ غَسلَ رِجلَيه قبلَ غَسلِ يَدَيه، أو مسَحَ رأسَه قبلَ غَسلِ وَجهِه عَمدًا أو غيرَ عَمدٍ فذلك يُجزئُه إذا أرادَ بذلك الوُضوءِ الصَّلاةَ.
وحُجتُهم أنَّ الواوَ في الآيةِ لا تَقتَضي التَّرتيبَ فكيفما غسَلَ المُتوضئُ أَعضاءَه كانَ مُمتثِلًا للأمرِ.
ولأنَّ ابنَ عَباسٍ ﵁ رَوى أنَّ النَّبيَّ ﷺ:«تَوضَّأ فغسَلَ وَجهَه ثم يَدَيه ثم رِجلَيه ثم مسَحَ رأسَه»(١).
ولأنَّها طَهارةٌ لم يَجبْ فيها تَرتيبٌ كالجَنابةِ، وكتَقديمِ اليَمينِ على
(١) ذكره ابن الجوزي في «التحقيق» (١/ ١٢٧)، وقالَ لا يصح. وضعفه النووي في «المجموع» (١/ ٥٠٨)، وقالَ الصَّنعانِيُّ في «سبل السلام» (١/ ٧٧): لا تُعرفُ له طريقٌ صَحيحةٌ حتى يتمَّ به الاستدلالُ.