للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاذِفًا مَحضًا، والجُمهورُ يَقولونَ: بل قَذفُه جِنايةٌ منه على عِرضِها، فكانَ مُوجَبُها الحَدُّ كقَذفِ الأجنَبيِّ، ولمَّا كانَ فيها شائِبةُ الدَّعوى عليها بإتلافِها لحَقِّه وخِيانتِها فيهِ ملَكَ إسقاطَ ما يُوجِبُه القَذفُ مِنْ الحَدِّ بلِعانِه، فإذا لم يُلاعِنْ مع قُدرتِه على اللِّعانِ وتَمكُّنِه منه عَمِلَ مُقتضَى القَذفِ عمَلَه واستَقلَّ بإيجابِ الحَدِّ؛ إذْ لا مُعارِضَ له، وباللهِ التَّوفيقُ (١).

المسألةُ الثَّانيةُ: حُكمُ الزَّوجةِ إذا نكَلَتْ عن اللِّعانِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الزوجةِ إذا قذَفَها زَوجُها بالزنا أو نفَيِ الولَدِ ولاعَنَ ثمَّ نكلَتْ هي عنِ اللِّعانِ، هل يُقامُ عليها الحَدُّ؟ أم تُحبَسُ؟ أم يُخلَّى سَبيلُها؟

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ الزوجَ إذا لاعَنَ وجَبَ على الزوجةِ اللِّعانُ بالنَّصِّ، فإنِ امتَنعَتْ حبَسَها الحاكمُ حتى تُلاعِنَ أو تُصدِّقَه، فلا حاجةَ إلى اللعانِ، ولا يَجبُ عليها حَدُّ الزنا؛ لأنَّ مِنْ شَرطِه أنْ تُقِرَّ بهِ أربَعَ مرَّاتٍ، وإنْ صدَّقَتْه عندَ الحاكمِ أربَعَ مرَّاتٍ لا تُحَدُّ أيضًا؛ لأنَّ التَّصديقَ ليسَ بإقرارٍ قَصدًا، فلا يُعتبَرُ في حقِّ وُجوبِ الحَدِّ ويُعتبَرُ في دَرئِه ليَندفعَ به اللعانُ ولا يَجبَ به الحَدُّ، ولو صدَّقَتْه في نَفيِ الولَدِ فلا حَدَّ ولا لِعانَ وهو ولَدُهما؛ لأنهُما لا يَملكانِ إبطالَ حقِّه قَصدًا، والنَّسبُ إنَّما يَنتفِي باللعانِ، ولم يُوجَدْ (٢).


(١) «زاد المعاد» (٥/ ٣٧٣، ٣٧٤).
(٢) «بدائع الصنائع» (٣/ ٢٣٨)، و «الاختيار» (٣/ ٢٠٦)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٥٥٩)، و «اللباب» (٢/ ١٣٤)، و «العناية» (٦/ ٥٩)، و «البحر الرائق» (٤/ ١٢٥)، و «مجمع الأنهر» (٢/ ١٣٠)، و «حاشية ابن عابدين» (٨/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>