للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذَهب الحَنفيَّةُ إلى بُطلانِ الصَّلاةِ، سَواءٌ أكلَ أو شرِب عامِدًا أو ناسِيًا؛ لأنَّ الأكلَ والشُّربَ ساهِيًا نادِرٌ غايَةَ النُّدرةِ، وأنَّه عمَلٌ كَثيرٌ ليس من أعمالِ الصَّلاةِ؛ ولأنَّه لو نَظَرَ إليه النَّاظِرُ لا يَشُكُّ في أنَّه في غيرِ الصَّلاةِ (١).

٨ - العملُ الكَثيرُ في الصَّلاةِ:

لا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ على أنَّ العملَ الكَثيرَ في الصَّلاةِ مُبطِلٌ لها، وأنَّ العملَ القَليلَ غيرُ مُبطِلٍ لها.

قالَ أبو عمرَ بنُ عَبد البرِّ : وأجمَعُوا أنَّ العملَ الكَثيرَ في الصَّلاةِ يُفسِدُها (٢).

أمَّا العملُ القَليلُ في الصَّلاةِ فلا يُبطِلُها، وقد رُويَ عن النَّبيِّ أخبارٌ في إباحةِ العملِ اليَسيرِ فيها، فمِنها أنَّه خَلَعَ نَعليه في الصَّلاةِ، ومنها: أنَّه مَسَّ لِحيَتَه، وأنَّه أشارَ بيَدِه، ومنها حَديثُ ابنِ عبَّاسٍ أنَّه أقامَ على يَسارِ النَّبيِّ فأخذَ بذُؤَابَتِه وأدارَه إلى يَمينِه، ومنها أنَّه كانَ يُصلِّي وهو حامِلٌ أُمامةَ بِنتَ أبي العاصِ بنِ الرَّبيعِ، فإذا سجدَ وضعَهَا، وإذا رفعَ رَأسَه حَمَلَها، ومنها: أنَّه صلَّى على المِنبَرِ، ولأنَّه أمرَ بدَفعِ المارِّ بينَ يَديه، وأمرَ بقَتلِ الأسوَدَينِ الحَيَّةِ والعَقرَبِ في الصَّلاةِ، ولأنَّ المُصَلِّيَ لا يَخلُو من عمَلٍ قَليلٍ؛ فلم تبطُل صَلاتُه بذلك.

قالَ ابنُ عَبد البرِّ: والفَرقُ بينَ العملِ القَليلِ الجائِزِ مِثلُه في الصَّلاةِ ما


(١) «معاني الآثار» (٢/ ١٤٧).
(٢) «التَّمهيد» (٢٠/ ٩٥، ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>