للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقتُ اعتِبارِ الثُّلثِ في الوَصيةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في وَقتِ اعتِبارِ الثُّلثِ في الوَصيةِ، هل هو وَقتُ الوَصيةِ أو وَقتُ مَوتِ المُوصي أو وَقتُ تَنفيذِ الوَصيةِ؟ على ثَلاثةِ أَقوالٍ للفُقهاءِ:

القَولُ الأولُ: أنَّ الاعتِبارَ بوَقتِ مَوتِ المُوصي:

ذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ وابنُ الحاجِبِ من المالِكيةِ (١) والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ إلى أنَّ الاعتِبارَ بالمالِ وَقتُ مَوتِ المُوصي؛ لأنَّ الوَصيةَ عَقدُ استِخلافٍ مُضافٌ إلى ما بعدَ المَوتِ ويَثبُتُ حُكمُه بعدَه فيُشتَرطُ وُجودُ المالِ عندَ المَوتِ، سَواءٌ كانَ اكتسَبَه بعدَ الوَصيةِ أو قبلَها وسَواءٌ كانَ المُوصَى به عَينًا أو نَوعًا مُعيَّنًا، ولأنَّ الوَصيةَ وَعدٌ في حَياةِ المُوصي لا حُكمَ لها، وإنَّما تَجبُ ويَصيرُ لها حُكمٌ بوَفاتِه، فاعتُبِرَ المالُ وَقتَ وُجوبِها، ولأنَّه لا خِلافَ أنَّه لو وَصَّى بثُلثِ مالِه وله مالٌ فباعَه؛ فإنَّ الوَصيةَ تَتعلَّقُ بالثَّمنِ، فلو كانَ الاعتِبارُ بالمالِ وَقتَ الوَصيةِ لبطَلَت ههنا.

فعلى هذا: إذا وَصَّى بثُلثِ مالِه وكانَ له ألفٌ، فصارَ عندَ الوَفاةِ ألفَينِ، أو أوصَى بثُلثِ مالِه وكانَ له أَلفانِ ثم ماتَ وله ألفٌ، أو كانَ له مالٌ وَقتَ الوَصيةِ فهلَكَ واستَفادَ غيرُه؛ فإنَّ الوَصيةَ تَصحُّ في ثُلثِ المالِ المَوجودِ عندَ مَوتِه.

وإنْ كانَ له مالٌ ثم تلِفَ بعضُه بعدَ المَوتِ لم تَبطُلِ الوَصيةُ، وإنْ تلِفَ قبلَ مَوتِه بطَلَت الوَصيةُ إِجماعًا إنْ هلَكَ جَميعُه أو تَبطُلُ فيما تلِفَ وتَصحُّ في الباقي.


(١) «التاج والإكليل» (٥/ ٤٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>