للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الوَجهِ كانَ أقرَبَ إلى ألَّا يَثبُتوا على الكُفرِ لما يَتداخَلُهم من الأنَفةِ والعارِ، وما كانَ أقرَبَ إلى الإقلاعِ عن الكُفرِ فهو أصلَحُ في الحِكمةِ وأوْلى بوَضعِ الشَّرعِ (١).

وقالَ ابنُ القَيمِ : وأمَّا مَصلَحةُ أهلِ الشِّركِ فما في بَقائِهم من رَجاءِ إسلامِهم إذا شاهَدوا أعلامَ الإسلامِ وبَراهينَه -أو بلُغتِهم أخبارَه- فلا بدَّ أنْ يَدخُلَ في الإسلامِ بَعضُهم، وهذا أحَبُّ إلى اللهِ مِنْ قَتلِهم.

والمَقصودُ إنَّما هو أنْ تَكونَ كَلِمةُ اللهِ هي العُليا، ويَكونَ الدِّينُ كلُّه للهِ، وليسَ في إبقائِهم بالجِزيةِ ما يُناقِضُ هذا المَعنى، كما أنَّ إبقاءَ أهلِ الكِتابِ بالجِزيةِ بينَ ظُهورِ المُسلِمينَ لا يُنافي كَونَ كَلِمةِ اللهِ هي العُليا وكَونَ الدِّينِ كلِّه للهِ ؛ فإنَّ مِنْ كَونِ الدِّينِ كلِّه للهِ إذلالَ الكُفرِ وأهلِه وصَغارَه وضَربَ الجِزيةِ على رُؤوسِ أهلِه وكذلك الرِّقُ على رِقابِهم، فهذا من دِينِ اللهِ ، ولا يُناقِضُ هذا إلا تَركُ الكُفارِ على عِزِّهم وإقامةِ دِينِهم كما يُحِبُّون؛ بحيثُ تَكونُ لهم الشَّوكةُ والكَلِمةُ، واللهُ أعلَمُ (٢).

هل الجِزيةُ عِوضٌ على التَّمادي على الكُفرِ:

قالَ الإمامُ القَرافِيُّ : الفَرقُ السابِعَ عشَرَ والمِئةُ بينَ قاعِدةِ أَخذِ الجِزيةِ على التَّمادي على الكُفرِ فيَجوزُ، وبينَ قاعِدةِ أَخذِ الأعواضِ على التَّمادي على الزِّنا وغيرِه من المَفاسِدِ؛ فإنَّه لا يَجوزُ إجماعًا.


(١) «أحكام القرآن» للكيا الهراسي (٤/ ٤٣).
(٢) «أحكام أهل الذمة» (١/ ٣٠، ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>