لا خِلافَ بينَ العُلماءِ على أنَّ العَبدَ غيرَ المَأذونِ له مَحجورٌ عليه، وأنَّه لا مِلْكَ له إلا ما مَلَكَه سَيِّدُه في قَولِ عامَّةِ أهلِ العِلمِ، ولا يَصحُّ تَصرُّفُه إلا بإذْنِ سَيِّدِه.
والدَّليلُ على أنَّه مَحجورٌ عليه: قَولُ اللهِ ﷾: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٧٥)﴾ [النحل: ٧٥] ومَعلومٌ أنَّه لَم يَرِدْ به نَفيُ القُدرةِ؛ لأنَّ الرِّقَّ والحُرِّيَّةَ لا تَختَلِفُ بهما القُدرةُ، فدَلَّ على أنَّ مُرادَه نَفيُ حُكمِ أقوالِه وعُقودِه وتَصرُّفِه ومِلكِه، ألَا تَرى أنَّه جَعَل ذلك مَثَلًا لِلأصنامِ التي كانت تَعبُدُها العَرَبُ على وَجهِ المُبالَغةِ في نَفيِ المِلكْ والتَّصرُّفِ وبُطلانِ أحكامِ أقوالِه فيما يَتعلَّقُ بحُقوقِ العِبادِ؟
وقال ابنُ رُشدٍ ﵀: فوَصَف اللهُ ﷾ العَبدَ بالعَجزِ وعَدَمِ القُدرةِ، وجَعَله بخِلافِ الحُرِّ في بَسطِ يَدِه بالإنفاقِ فيما رُزِقَ مِنَ المالِ، فدَلَّ ذلك على أنَّ أمرَ العَبيدِ في الأموالِ مُخالِفٌ لِأمْرِ الأحرارِ، وأنَّ مِلكَهم لِأموالِهم ناقِصٌ عن مِلكِ الأحرارِ، وأنَّ لِساداتِهم التَحجيرَ عليهم في أموالِهم بحَقِّ مِلكِ رِقابِهم، فلا يَجوزُ لِلعبدِ في مالِه صُنعٌ إلا بأمرِ سَيِّدِه، وهو له مِلكٌ حتى يَنتَزِعَه منه (١).
ولأنَّه لمَّا تَعلَّقَ حَقُّ السَّيدِ بمالِ العَبدِ كان له حَقُّ الحَجْرِ عليه.