ولِما قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ:«المُؤمنونَ تَتكافأُ دِماؤُهم»، وكانَتِ المَرأةُ كافَأَتْه في النفسِ -وهو أعظَمُ خَطرًا ممَّا دُونَ النفسِ- كانَ ما دُونَ النَّفسِ أحرَى أنْ تَكونَ كافَأَتْه فيه (١).
الشَّرطُ الرابعُ: إمكانُ الاستيفاءِ مِنْ غَيرِ حَيفٍ ولا زِيادةٍ:
اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنه يُشترطُ لوُجوبِ القِصاصِ إمكانُ استِيفائِه مِنْ غَيرِ حَيفٍ ولا زِيادةٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: ١٢٦]، وقالَ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤]، ولأنَّ دمَ الجاني مَعصومٌ إلا في قَدرِ جِنايتِه، فما زادَ عليهَا يَبقَى على العِصمةِ، فيَحرمُ استِيفاؤُه بعدَ الجِنايةِ كتَحريمِه قبلَها، ومِن ضَرورةِ المَنعِ مِنْ الزِّيادةِ المَنعُ مِنْ القِصاصِ؛ لأنها مِنْ لَوازمِه، فلا يُمكنُ المَنعُ منها إلا بالمَنعِ منه، قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وهذا لا خِلافَ فيه نَعلمُه، وممَّن منَعَ القِصاصَ فيما دُونَ المُوضِحةِ الحَسنُ والشافِعيُّ وأبو عُبيدٍ وأصحابُ الرأيِ.
إذا ثبَتَ هذا فإنَّ الجُرحَ الذي يُمكنُ استِيفاؤُه مِنْ غيرِ زِيادةٍ هو كلُّ جُرحٍ يَنتهي إلى عَظمٍ كالمُوضحةِ في الرَّأسِ والوَجهِ، ولا نَعلمُ في جَوازِ القِصاصِ في المُوضحةِ خِلافًا، وهي كُلُّ جُرحٍ يَنتهي إلى العَظمِ في الرَّأسِ
(١) «الأوسط» (١٣/ ٤٧، ٤٨)، و «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٥١٦)، و «الأم» (٧/ ١٤٩)، و «الحاوي الكبير» (١٢/ ٢٦)، و «البيان» (١١/ ٣٥٨، ٣٥٩)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٣٨٢، ٣٨٣)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٢٤٧، ٢٤٨)، و «المغني» (٨/ ٢٥١)، و «المبدع» (٨/ ٣٠٦)، و «كشاف القناع» (٥/ ٦٤٥).