للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَنهيَّاتِ بينَ المُحتاجِ وغَيرِه، كَما في المَأْموراتِ، ولِهَذا أُبيحَتِ المُحرَّماتُ عندَ الضَّرورةِ، لاسيِّما إذا قُدِّرَ أنَّه يَعدِلُ عن ذلك إلى سُؤالِ النَّاسِ، فالمَسألةُ أشَدُّ تَحريمًا، ولِهَذا قالَ العُلماءُ: يَجِبُ أداءُ الواجِباتِ وإنْ لَم تَحصُلْ إلَّا بالشُّبَهاتِ، كَما ذكرَ أبو طالِبٍ، وأبو حامِدٍ أنَّ الإمامَ أحمدَ سَألَه رَجُلٌ، قالَ: إنَّ ابنًا لي ماتَ وعليه دَيْنٌ، ولَه دُيونٌ أكرَهُ تَقاضيَها، فقالَ له الإمامُ أحمَدُ: أتَدَعُ ذِمَّةَ ابنِكَ مُرتَهَنةً؟ يَقولُ: قَضاءُ الدَّيْنِ واجِبٌ، وتَرْكُ الشُّبهةِ لِأداءِ الواجِبِ هو المَأْمورُ به.

وَلِهَذا اتَّفقَ العُلماءُ على أنَّه يَرزُقُه الحاكِمُ وأمثالُه عندَ الحاجةِ، وتَنازَعوا في الرِّزقِ عندَ عَدَمِ الحاجةِ، وأصْلُ ذلك في كِتابِ اللَّهِ في قَولِه في وَلِيِّ اليَتيمِ: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ٦]، فهكذا يُقالُ في نَظائِرِ هذا؛ إذِ الشَّريعةُ مَبناها على تَحصيلِ المَصالِحِ وتَكميلِها وتَعطيلِ المَفاسِدِ وتَقليلِها، والوَرعُ تَرجيحُ خَيرِ الخَيرَيْنِ بتَفويتِ أدناهما، ودَفْعُ شَرِّ الشَّرَّيْنِ، وإنْ حَصَلَ أدناهما (١).

المَسألةُ الثَّانيةُ: أخْذُ الأُجرةِ على قِراءةِ القُرآنِ على المَيِّتِ أو غَيرِه:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ جَوازِ الاستِئجارِ على قِراءةِ القُرآنِ سَواءٌ كانَ عندَ القَبرِ أو غَيرِه، هل يَجوزُ أو لا؟

فذَهَبَ الحَنفيَّةُ والحَنابِلةُ وحَكاه ابنُ تَيميَّةَ عن الأئِمَّةِ أنَّه لا يَجوزُ أخْذُ الأُجرةِ على مُجرَّدِ التِّلاوةِ.


(١) «مجموع الفتاوى» (٣٠/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>