الشرطُ الرابعُ: أنْ يَكونُ مَسموعًا:
اختَلفَ الفُقهاءُ هل يُشترطُ في اللَّفظِ أنْ يَكونَ مَسموعًا؟ أم يَكفي تَحريكُ اللِّسانِ بالاستِثناءِ؟
للحَنفيةِ قَولانِ في المَسألةِ: أحَدُهما: أنه شَرطٌ أنْ يَكونَ مَسموعًا، فلَو حرَّكَ لسانَه بهِ دونَ سَماعٍ لم يَصحَّ، وهذا عندَ الهِندُوانِيِّ، ورجَّحَه الكاسانِيُّ وصاحبُ «الدُّر».
والثاني -وهوَ اختيارُ الكَرخيِّ-: لا يُشترطُ، وهو الصَّحيحُ، فلو حرَّكَ لِسانَه بالاستثناءِ صحَّ وإنْ لم يَكنْ مَسموعًا.
قالَ الإمامُ عَلاءُ الدِّينِ السَّمرْقَنديُّ ﵀: ولَو حرَّكَ لِسانَه بالاستثناءِ وأتَى بحُروفِه على الوَجهِ لكنَّه لَم يسمعْ يَكونُ استثناءً؛ لأنَّ هذا كَلامٌ وليسَ الشَّرطُ هو السَّماعُ، ألَا تَرَى أنَّ الأصَمَّ يَصحُّ استثناؤُه وإنْ لم يَسمعْ هو (١).
وقالَ الكاسانِيُّ ﵀: فأمَّا السَّماعُ فليسَ بشَرطٍ؛ لكَونِه كَلامًا، فإنَّ الأصَمَّ يَصحُّ استِثناؤُه وإنْ كانَ لا يَسمعُ، والصَّحيحُ ما ذكَرَه الفَقيهُ أبو جَعفرٍ؛ لأنَّ الحُروفَ المَنظومةَ -وإنْ كانَتْ كَلامًا عندَ الكَرخيِّ وعندَنا- هِي دَلالةٌ عَلى الكَلامِ وعِبارةُ عنهُ، لا نَفْس الكَلامِ في الغائبِ والشاهِدِ جَميعًا، فلم تُوجَدِ الحُروفُ المَنظومةُ ههُنا؛ لأنَّ الحُروفَ لا تَتحقَّقُ بدُونِ الصَّوتِ، فالحُروفُ المَنظومةُ لا تَتحقَّقُ بدُونِ الأصواتِ المُتقطِّعةِ بتَقطيعٍ
(١) «تحفة الفقهاء» (٢/ ١٩٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute