للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: الرُّجوعُ في الوَصيةِ بالفِعلِ والتَّصرفِ:

التَّصرفُ في المُوصَى به من قِبَلِ المُوصي لا يَخلو من حالتَينِ:

الحالةُ الأُولى: تَصرفٌ لا يُعتبَرُ رُجوعًا باتِّفاقِ الفُقهاءِ:

إذا تصرَّفَ المُوصي في العَينِ المُوصَى بها تَصرُّفًا لا يُغيِّرُ حَقيقتَها ولا يُخرجُها عن مِلكِه كالانتِفاعِ بالعَينِ المُوصَى بها مِثلَ أنْ يَركبَ المُوصي الدابةَ المُوصَى بها أو يَسكنَ الدارَ المُوصَى بها أو يَغسلَ الثَّوبَ المُوصَى به، وهكذا، فلا يُعتبَرُ هذا رُجوعًا عن الوَصيةِ بالاتِّفاقِ.

وكذلك إذا أجَّرَ العَينَ المُوصَى بها أو أَعارَها أو أَودَعها، كلُّ هذا لا يُخرجُ العَينَ المُوصَى بها عن الوَصيةِ ولا يُعتبَرُ ذلك رُجوعًا فيها.

قالَ الإِمامُ السَّرخَسيُّ: إذا زادَ شَيئًا يُتوصَّلُ به إليه بغيرِ بَذلٍ كما إذا أَوصَى بدارٍ ثم جصَّصَها أو طَيَّنها فذلك لا يَكونُ رُجوعًا؛ لأنَّ ذلك تَحسينٌ وتَزيينٌ، ويُتوصَّلُ إليه بغيرِ بَذلٍ فلم يَكنْ رُجوعًا، وكانَ ذلك دَليلَ البَقاءِ على الوَصيةِ.

وكذلك لو أَوصَى له بثَوبٍ ثم غسَلَه لم يَكنْ رُجوعًا؛ لأنَّه ليسَ بزِيادةٍ وإنَّما ذلك لإِزالةِ الدَّرنِ والوَسخِ (١).

وقالَ الإِمامُ الكاسانِيُّ: ولو أَوصَى بثَوبٍ ثم غسَلَه أو بدارٍ ثم جصَّصَها أو هدَمَها لم يَكنْ شَيءٌ من ذلك رُجوعًا؛ لأنَّ الغَسلَ إِزالةُ الدَّرنِ، والوَصيةُ لم تَتعلَّقْ به فلم يَكنْ الغَسلُ تَصرُّفًا في المُوصَى به، وتَجصيصُ الدارِ ليسَ


(١) «المبسوط» (٢٧/ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>