للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حائِطِه وأنْ يُحلِلوه، فلو قبِلوا كانَ في ذلك بَراءةُ ذمَّتِه من بَقيةِ الدَّينِ، ويَكونُ في مَعنى التَّرجمةِ، وهو هِبةُ الدَّينِ، ولو لم يَكنْ جائِزًا لمَا طلَبَه النَّبيُّ (١).

وقالَ ابنُ القَطانِ الفاسيُّ : وإنْ وهَبَ الرَّجلُ مالَه على الرَّجلِ وأبرَأه وقبِلَ البَراءةَ فذلك جائِزٌ لا أعلَمُ فيه خِلافًا (٢).

البَراءةُ من المَجهولِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ البَراءةِ من المَجهولِ كمَن له دَينٌ عندَ إِنسانٍ لا يَعرفُ مِقدارَه، هل يَصحُّ إبراؤُه منه مُطلَقًا، سَواءٌ كانَ يَقدِرُ على مَعرِفتِه أو لا يَقدِرُ، أو لا يَجوزُ إنْ كانَ يَقدِرُ على مَعرفتِه، ويَجوزُ إنْ كانَ لا يَقدِرُ، أو لا يَجوزُ مُطلقًا سَواءٌ كانَ يَقدِرُ أو لا يَقدِرُ؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيُّ في القَديمِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى صِحةِ البَراءةِ من المَجهولِ مُطلقًا، سَواءٌ كانَ يَقدِرُ على مَعرفتِه أو لا يَقدِرُ؛ لمَا رَواه أحمدُ وأَبو داودَ وغَيرُهما عن أُمِّ سَلمةَ قالَت: جاءَ رَجلانِ يَختصِمانِ إلى رَسولِ اللهِ في مَواريثَ بينَهما قد درَسَت ليسَ بينَهما بَيِّنةٌ، فقالَ رَسولُ اللهِ : «إنَّكم تَختصِمون إلَيَّ، وإنَّما أنا بَشَرٌ، ولعلَّ بَعضَكم ألحَنُ بحُجتِه من بَعضٍ، وإنَّما أَقضي بينَكم على نَحوٍ مما أسمَعُ، فمَن قضَيتُ له من حَقِّ أَخيه شَيئًا فلا يأخُذْه، فإنَّما


(١) «فتح الباري» (٥/ ٢٢٤).
(٢) «الإقناع في مسائل الإجماع» (٣/ ١٦٣٧)، رقم (٣٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>