خامِسًا: الخَادمُ إنْ كانَتْ ممَّن تُخدَمُ:
اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربعَةِ على أنَّ المَرأةَ إذا كانَتْ ممَّن لا تَخدِمُ نفْسَها لكَونِها مِنْ ذَوي الأقدارِ أو كانَتْ مَريضةً وجَبَ لهَا خادِمٌ، حرًّا كانَ أو عبْدًا، وعَليهِ أُجرَتُه ونَفقتُه؛ لقَولِه ﷿: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: ١٩]، ومِن العِشرَةِ بالمَعروفِ أنْ يُقيمَ لها مَنْ يَخدُمُها، ولأنَّه ممَّا تَحتاجُ إلَيهِ فأشبَهَ النَّفقةَ؛ لأنَّه لا بُدَّ لها مِنْ خادِمٍ واحِدٍ يَقومُ بخِدمتِها ويَلي أُمورَ بيتِها حتَّى تَتفرَّغَ المرأةَ لحَوائجِ الزَّوجِ، فكانَ ذلكَ مِنْ حَوائجِ المَرأةِ مَنفعةً تَعودُ إلى الزَّوجِ، فيَكونُ ذلكَ على الزَّوجِ، ألَا ترَى أنَّه كما يُفرَضُ للقاضِي كفايةٌ في مالِ بيَتِ المالِ يُفرَضُ خادِمٌ لهُ أيضًا، كذَا هَهُنا.
واختَلفُوا هل يَجبُ لها أكثَرُ مِنْ خادِمٍ؟ أم لا يَجبُ إلَّا خادِمٌ واحِدٌ؟
فذهَبَ الإمامُ أبُو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ إلى أنَّه يَجبُ لها خادِمَانِ ولا يَجبُ أكثَرُ مِنْ ذلكَ، ورُويَ عنهُ رِوايةٌ أخرَى أنَّ المرأةَ إذا كانَتْ يَجلُّ مِقدارُها عَنْ خِدمةِ خادمٍ واحِدٍ وتَحتاجُ إلى أكثَرَ مِنْ ذلكَ يَجبُ لأكثَرَ مِنْ ذلكَ بالمَعروفِ، وبه أخَذَ الطَّحاويُّ، وجه ظاهِرِ قولِ أبي يُوسفَ أنَّ خِدمةَ امرأةٍ لا تَقومُ بخادِمٍ واحدٍ، بل تَقعُ الحاجةُ إلى خادمَينِ يَكونُ أحَدُهما مُعِينًا للآخَرِ، فأحَدُهما يَخدمُها في مَنزلِها، والثاني تُرسلُه إلى زَوجِها يَطلبُ منه النَّفقةَ ويَبتاعُ لها ما يَصلحُ لها وتُرسلُه إلى أبوَيها ويَقضي حَوائجَها (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ٢٤)، و «الهداية» (٢/ ٤١)، و «المحيط البرهاني» (٤/ ١٩٥، ١٩٦)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٥٩)، و «الاختيار» (٤/ ٤)، و «الأم» (٥/ ٨٧)، و «الحاوي الكبير» (١١/ ٤١٩)، و «المهذب» (٢/ ١٦٢)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٢٤٥، ٢٤٦)، و «مغني المحتاج» (٥/ ١٦٠، ١٦١)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ١٦٧، ١٦٩)، و «الإفصاح» (٢/ ٢٠٧، ٢٠٨)، و «المغني» (٦/ ١٨٠)، و «المبدع» (٨/ ١٩٠)، و «الإنصاف» (٩/ ٣٥٩)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٤٤، ٥٤٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute