للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم؛ لأنَّ العَقدَ المُؤقَّتَ إلى غايةٍ يَنتَهي بانتِهاءِ الغايةِ من غيرِ الحاجةِ إلى الناقِضِ ولو كانَ واحِدٌ منهم دخَلَ الإسلامَ بالمُوادَعةِ المُؤقَّتةِ فمَضى الوَقتُ وهو في دارِ الإسلامِ فهو آمِنٌ حتى يَرجِعَ إلى مَأمَنِه؛ لأنَّ التَّعرُّضَ له يُوهِمُ الغَدرَ والتَّغريرَ فيَجبُ التَّحرُّزُ عنه ما أمكَنَ (١).

إلا أنَّه لا يَخرجُ إليهم إلا بعدَ انتِهائِها لما رَوى أبو داودَ وغيرُه عن سُلَيمِ بنِ عامِرٍ قالَ: كانَ بينَ مُعاويةَ وبينَ الرُّومِ عَهدٌ، وكانَ يَسيرُ نَحوَ بِلادِهم حتى إذا انقَضى العَهدُ غَزاهم، فجاءَ رَجلٌ على فَرسٍ أو بِرذَونٍ وهو يَقولُ: اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرُ، وَفاءٌ لا غَدرٌ. فنظَروا فإذا عَمرُو بنُ عَبَسةَ. فأرسَلَ إليه مُعاويةُ فسَألَه، فقالَ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ يَقولُ: «مَنْ كانَ بَينَه وبَينَ قَومٍ عَهدٌ فلا يَشُدَّ عُقدةً ولا يَحُلَّها حتى يَنقَضيَ أمَدُها أو يَنبِذَ إليهم على سَواءٍ» فرجَعَ مُعاويةُ (٢).

متى يَجوزُ للإمامِ أنْ يَنقُضَ العَقدَ؟

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ الإمامَ إذا خافَ خيانَتَهم بظُهورِ أمارةٍ تَدلُّ على الخَوفِ لا بمُجرَّدِ الوَهمِ فله نَبذُ عَهدِهم إليهم؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ﴾ [الأنفال: ٥٨] أباحَ اللهُ لرَسولِه إذا تَوقَّع من أعدائِه غائِلةً من مَكرٍ، أنْ يَنبِذَ إليهم على سَواءٍ، حتى لا يَقولَ المُبطِلُ: إنَّكَ نقَضتَ العَهدَ بنَصبِ الحَربِ.


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١١٠).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٧٥٩)، والإمام أحمد (١٧٠٥٦)، والترمذي (١٥٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>