للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّكنُ الأوَّلُ: الصِّيغةُ:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ الصِّيغةَ رُكنٌ مِنْ أركانِ الوَكالةِ، وهي الإيجابُ والقَبولُ، فالإيجابُ مِنْ المُوكِّلِ أنْ يَقولَ: وَكَّلتُكَ بكذا، أوِ افعَل كذا، أو أذِنتُ لكَ أنْ تَفعَلَ كذا، ونحوَه.

والقَبولُ مِنْ الوَكيلِ أنْ يَقولَ: قَبِلتُ، وما يَجري مَجراه، فما لَم يُوجَدِ الإيجابُ والقَبولُ لا يَتمُّ العَقدُ؛ لأنَّه عَقدٌ يَتعلَّقُ به حَقُّ كلِّ واحِدٍ مِنهُما، فافتَقَرَ إلى الإيجابِ، كالبَيعِ والإجارةِ، ولأنَّ الشَّخصَ مَمنوعٌ مِنْ التَصرُّفِ في مِلْكِ غيرِه، حتى يَأذَنَ له.

قالَ الحَنفيَّةُ: ولِهذا لو وكَّل إنسانًا بقَبضِ دَيْنِه فأبَى أنْ يَقبَلَ، ثم ذهَب الوَكيلُ فقَبَضَه، لَم يَبرَأِ الغَريمُ؛ لأنَّ تَمامَ العَقدِ بالإيجابِ والقَبولِ، فكلُّ واحِدٍ مِنهُما يَرتَدُّ بالرَّدِّ قبلَ وُجودِ الآخَرِ، كما في البَيعِ ونحوِه (١).

وقالَ الشَّافِعيَّةُ: يُشترَطُ في الوَكالةِ القَبولُ، حتى لو رَدَّ فقالَ: لا أقبَلُ، أو لا أفعَلُ، بطَلتِ الوَكالةُ. فلَو رَدَّ ثم نَدِمَ، وأرادَ أنْ يَفعَلَ، لَم يَجُزْ؛ بَلْ لا بدَّ مِنْ إذْنٍ جَديدٍ؛ لأنَّ الوَكالةَ جائِزةٌ، تَرتَفِعُ في الدَّوامِ بالفَسخِ، فارتِدادُها بالرَّدِّ في الِابتِداءِ أَوْلَى (٢).

وقالَ الحَنابِلةُ: لو أبَى الوَكيلُ أنْ يَقبَلَ الوَكالةَ، فكَعَزْلِه نَفْسَه، فيُحَكَمُ عليه بالرَّدِّ (٣).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠)، و «البحر الرائق» (٧/ ١٤٠)، و «ابن عابدين» (٧/ ٢٦٦).
(٢) «روضة الطالبين» (٣/ ٤٩٨).
(٣) «كشاف القناع» (٣/ ٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>