اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ الشُّهداءَ الذين لَم يَموتوا بسَبَبِ حَربِ الكُفارِ -كالمَبطونِ والمَطعونِ والغَريقِ وصاحِبِ الهَدمِ والميِّتةِ في الطَّلْقِ وشِبهِهم- يُغسَّلونَ ويُصلَّى عليهم بغيرِ خِلافٍ، وأنَّ لَفظَ الشَّهادةِ الوارِدَ فيهم المُرادُ به أنَّهم شُهداءُ في ثَوابِ الآخِرةِ لا في تَركِ الغُسلِ والصَّلاةِ (١).
تَغسيلُ مَوتى المسلِمينَ عندَ اختلاطِهم بالكُفارِ والصَّلاةُ عليهم ودَفنُهم:
ذهَبَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ إلى أنَّه إذا اختَلطَ مَوتى المسلِمينَ بمَوتى المُشرِكينَ -كأنْ أصابَهم هَدمٌ أو حَريقٌ أو غَرَقٌ- ولَم يُميَّزوا، يُغسَّلونَ جَميعًا، سَواءٌ أكان المُسلِمونَ أكثَرَ أم أقَلَّ أم كانوا على السَّواءِ؛ لأنَّ غُسلَ المُسلِمِ واجِبٌ، وغُسلَ الكافِرِ جائِزٌ في الجُملةِ، فيُؤتَى بالجائِزِ في الجُملةِ لتَحصيلِ الواجِبِ.
أمَّا الصَّلاةُ عليهم فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ مِنْ المالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابِلةِ والحَنفيةِ في قَولٍ إلى أنَّهم يُصلَّى عليهم ويُنْوَى الصَّلاةُ على المسلِمينَ، وإنْ كانَ عَددُ الكُفارِ أكثَرَ، ولأنَّه إذا جازَ أنْ يَقصِدَ بصَلاتِه ودُعائِه الأكثَرَ جازَ قَصدُ الأقَلِّ، ويُدفَنونَ في مَقابِرِ المسلِمينَ.
(١) «المجموع» (٦/ ٣٥٧)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٦٤)، و «المدونة» (١/ ١٨٤)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٢٤٨)، و «روضة الطالبين» (٢/ ١١٩)، و «المغني» (٣/ ٣٠١).