للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمعُ الصَّلاةِ في السَّفرِ القَصيرِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في جَوازِ الجَمعِ في السَّفرِ القَصيرِ، هل يَجوزُ أو لا؟

فذهَبَ الشافِعيةُ في الرَّاجحِ عندَهم والحَنابلَةُ في المَذهبِ ومالِكٌ في إحدى الرِّوايتَينِ عنه إلى أنَّه لا يَجوزُ الجَمعُ في السَّفرِ القَصيرِ؛ لأنَّ الجَمعَ رُخصةٌ تَثبُتُ لدَفعِ المَشقَّةِ في السَّفرِ؛ فاختُّصَت بالطَّويلِ؛ كالقَصرِ والمَسحِ ثَلاثًا، ولأنَّه إخراجُ عِبادةٍ عن وقتِها، فلم يَجزْ في السَّفرِ القَصيرِ، كالفِطرِ في الصَّومِ، ولأنَّ دَليلَ الجَمعِ فِعلُ النَّبيِّ ، والفِعلُ لا صِيغةَ له، وإنَّما هو قَضيةُ عَينٍ، فلا يثبُتُ حكمُها إلا في مِثلِها، ولم يُنقَل أنَّه جَمعَ إلا في سَفرٍ طَويلٍ.

وذهَبَ الإمامُ مالِكٌ في الرِّوايةِ الثانيةِ عنه والشافِعيةُ في المَرجوحِ عندَهم وطائِفةٌ مِنْ أَصحابِ الإمامِ أحمدَ منهم شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تيميَّةَ إلى جَوازِ الجَمعِ في السَّفرِ القَصيرِ؛ لأنَّه سَفرٌ يَجوزُ فيه التَّنفُّلُ على الرَّاحِلةِ، فجازَ فيه الجَمعُ، كالسَّفرِ الطَّويلِ، ولأنَّ أهلَ مَكةَ يَجمَعونَ بعَرفةَ ومُزدلِفةَ وهو سَفرٌ قَصيرٌ.

وقالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تيميَّةَ: فإذا جَدَّ السَّيرُ بالمُسافرِ جمَعَ، سَواءٌ كانَ سَفرُه طَويلًا أو قَصيرًا، كما مَضَت سُنةُ رَسولِ اللهِ يَجمَعُ النَّاسَ بعَرفةَ ومُزدلِفةَ المَكيَّ وغيرَ المَكيِّ، مع أنَّ أهلَ مَكةَ سَفرُهم قَصيرٌ، وكذلك جمَعَ خُلفاؤُه الرَّاشِدونَ بعَرفةَ ومُزدلِفةَ (١).


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٤/ ١٤)، و «بُلغة السالك» (١/ ٣٢٠)، و «بداية المجتهد» (١/ ٢٤٤)، و «القوانين الفقهية» ص (٨٧)، و «المجموع» (٥/ ٤٨٠)، و «طرح التثريب» (٣/ ١١٩)، و «شرح مسلم» (٥/ ٢١٢)، و «حلية العلماء» (٢/ ٢٠٤، ٢٠٥)، و «الوَسيط» (٢/ ٢٥٦)، و «المغني» (٢/ ٥٠٨)، و «الإنصاف» (٢/ ٣٣٤)، و «مغني المحتاج» (١/ ٢٧٢)، و «الإفصاح» (١/ ٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>