للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَه؛ فهي كَحَبَّةِ بُرٍّ في البَيعِ؛ فإنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتِ الإجارةُ؛ لأنَّ منه ما هو أطيَبُ مِنْ كَثيرٍ مِنْ الرَّياحِينِ.

وَفَرَّقَ الحَنابِلةُ بينَ ما تُتلَفُ عَينُه وما لا تُتلَفُ، فقالوا: يَجوزُ استِئجارُ ما يَبقَى مِنْ الطِّيبِ والصَّندَلِ وقِطَعِ الكَافُورِ والنَّدِّ لِيَشُمَّها المَرضَى وغَيرُهم مدَّةً ثم يَرُدَّها؛ لأنَّها مَنفَعةٌ مُباحةٌ، فأشبَهَتِ الوَزنَ والتحَلِّيَ.

وَلا يَصحُّ استِئجارُ ما لا يَبقَى مِنْ الرَّياحِينِ؛ كالوَردِ والبَنَفسَجِ والرَّيحانِ الفارِسيِّ وأشباهِهِ؛ لِشَمِّها؛ لأنَّها تَتلَفُ عن قُربٍ، فأشبَهَتِ المَطعوماتِ.

المَسألةُ الرَّابِعةُ: استِئجارُ الشَّجرِ لِتَجفيفِ الثِّيابِ والاستِظلالِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ استِئجارِ الشَّجرِ؛ لِتَجفيفِ الثِّيابِ عليه، والِاستِظلالِ به، هَلْ يَجوزُ أو لا؟

فذهبَ الحَنفيَّةُ وابنُ القاسِمِ مِنْ المالِكيَّةِ والشَّافعيَّةُ في قَولٍ إلى أنَّه لا يَجوزُ استِئجارُ الأشجارِ لِتَجفيفِ الثِّيابِ والِاستِظلالِ؛ لأنَّ هذه مَنفَعةٌ غيرُ مَقصودةٍ مِنْ الشَّجرِ؛ فكانَ بَذْلُ العِوَضِ فيه مِنْ السَّفَهِ وأخْذِ العِوَضِ عنه مِنْ أكْلِ المالِ بالباطِلِ، ولأنَّه لا يُضمَنُ مَنفعَتُها بالغَصبِ، فلَم يُضمَنْ بالعَقدِ.

وَذَهَبَ المالِكيَّةُ في المَذهبِ، والشَّافعيَّةُ في الأصَحِّ، والحَنابِلةُ إلى صِحَّةِ استِئجارِ الأشجارِ لِتَجفيفِ الثِّيابِ، نَظَرًا إلى أنَّ الِانتِفاعَ بها على هذا الوَجهِ ممَّا يَتأثَّرُ الشَّجرُ به، وتَنقُصُ مَنفَعةٌ كَثيرةٌ مِنه، فهي مَنفَعةٌ تُقوَّمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>