للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمالِ وتَقعُ بالعَهدِ كما تقدَّمَ، وقَلَّ مَنْ يَخلو عن شَيءٍ من ذلك بخِلافِ الدَّينِ؛ فإنَّه يُمكنُ أنْ يُوجدَ ويُمكنُ ألَّا يُوجدَ، وما يَكثرُ وُقوعُه مُقدَّمٌ على ما يَقلُّ وُقوعُه.

قالَ الزَّينُ بنُ المُنيرِ: تَقديمُ الوَصيةِ على الدَّينِ في اللَّفظِ لا يَقتَضي تَقديمَها في المَعنى؛ لأنَّهما معًا قد ذُكرا في سِياقِ البَعديةِ، لكنَّ المِيراثَ يَلي الوَصيةَ في البَعديةِ ولا يَلي الدَّينَ، بل هو بعدَ بعدِه، فيَلزمُ أنَّ الدَّينَ يُقدَّمُ في الأَداءِ ثم تُقدَّمُ الوَصيةُ ثم المِيراثُ، فيَتحقَّقُ حينَئذٍ أنَّ الوَصيةَ تَقعُ بعدَ الدَّينِ حالَ الأَداءِ باعتِبارِ القَبليةِ، فتَقديمُ الدَّينِ على الوَصيةِ في اللَّفظِ وباعتِبارِ البَعديةِ، فتُقدَّمُ الوَصيةُ على الدَّينِ في المَعنى، واللهُ أعلَمُ (١).

تَقديمُ حَقِّ اللَهِ من زَكاةٍ وحَجٍّ على الوَصيةِ:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ الإِنسانَ إذا كانَ عليه حَجٌّ واجِبٌ أو زَكاةٌ واجِبةٌ عليه وأَوصَى قبلَ مَوتِه بأنْ يُحجَّ عنه أو أنْ تُخرَجَ زَكاتُه فالوَصيةَ صَحيحةٌ وتُنفَّذُ.

إلا أنَّهم اختلَفوا فيما لو ماتَ ولم يُوصِ بإِخراجِ الزَّكاةِ ولا بالحَجِّ عنه، هل يُحجُّ عنه وُجوبًا من رأسِ مالِه قبلَ المِيراثِ أو لا يُحجُّ عنه إلا إذا أَوصَى؟

فذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه إنْ كانَ عليه حَجةُ الإِسلامِ فماتَ قبلَ أنْ يُوصيَ بها فواجِبٌ أنْ يُحَجَّ عنه؛ لأنَّه حَقٌّ مُستقِرٌّ تَدخلُه النِّيابةُ فلم


(١) «فتح الباري» (٥/ ٣٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>