للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصرُّفاتُ المرتَدِّ بالبَيعِ والشِّراءِ حالَ الرِّدةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في تَصرُّفاتِ المُرتدِّ في حالِ ردَّتِه، هل هيَ مَوقوفةٌ فإنْ عادَ إلى الإسلامِ تَبينَّا أنَّ تَصرُّفاتِه صَحيحةٌ وإنْ لم يَعُدْ تَبينَّا أنَّ تَصرُّفاتِه باطِلةٌ؟ على أقوالٍ.

فذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في الصَّحيحِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ تَصرُّفاتِ المُرتدِّ في رِدتِه بالبيعِ والهِبةِ والعِتقِ والتَّدبيرِ والوَصيةِ ونحوِ ذلك مَوقوفةٌ، إنْ أسلَمَ تَبينَّا أنَّ تَصرُّفَه كانَ صَحيحًا، وإنْ قُتلَ أو ماتَ على رِدتِه كانَ باطلًا؛ لأنَّ مِلكَه تَعلَّقَ به حَقُّ غيرِه مع بَقاءِ مِلكِه فيه، فكانَ تَصرُّفُه مَوقوفًا كتَبرعِ المَريضِ. وتَفصيلُ ذلكَ فيما يلي:

قالَ الحَنفيةُ: يَزولُ مِلكُ المُرتدِّ عن أملاكِه برِدَّتِه زَوالًا مُراعًى -أي مَوقوفًا- إلى أنْ يَتبيَّنَ حالُه؛ لأنه بالرِّدةِ زالَتْ عِصمةُ دَمِه، فكذا عِصمةُ مالِه.

فإنْ أسلَمَ عادَتْ أملاكُه على حالِها، وإنْ قُتلَ أو ماتَ على ردَّتِه انتَقلَ ما اكتَسبَه في حالِ إسلامِه إلى وَرثَتِه المُسلِمينَ، وكانَ ما اكتَسبَه في حالِ ردَّتِه فَيئًا، يعني أنه يُوضعُ في بَيتِ المالِ، فكذا إذا لَحِقَ بدارِ الحَربِ مُرتدًّا، وحُكمَ بلحاقِه؛ لأنَّ مِلكَه في الكَسبِ بعدَ الرِّدةِ باقٍ، فيَنتقلُ بمَوتِه إلى وَرثتِه، ويَستندُ التَّوريثُ إلى ما قبلَ ردَّتِه؛ إذِ الرِّدةُ سَببُ المَوتِ، فيَكونُ تَوريثُ المُسلمِ مِنْ المُسلمِ، ولأنَّ الرِّدةَ لمَّا كانَتْ سَببًا للمَوتِ جُعِلتْ مَوتًا حُكمًا، فكانَ آخِرُ جُزءٍ مِنْ أجزاءِ إسلامِه آخِرَ جُزءٍ مِنْ أجزاءِ حَياتِه حُكمًا، فيَرثُ الوارِثُ المُسلِمُ ما كانَ مِلكًا له في تلكَ الحالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>