ثانيَتُها: أنْ يَنفُلَ الإمامُ أو الأميرُ بعضَ أفرادِ الجَيشِ لمَا أبداه في القِتالِ من شَجاعةٍ وإقدامٍ، أو أيِّ عَملٍ مُفيدٍ فاقَ به غيرَه من غيرِ سَبقِ شَرطٍ.
ثالثَتُها: أنْ يَقولَ الإمامُ: مَنْ قامَ بعَمَلٍ مُعيَّنٍ فله كذا، كهَدمِ سُورٍ أو نَقبِ جِدارٍ ونَحوِ ذلك، وكلُّ هذه الصُّورِ جائِزةٌ عندَ جُمهورِ الفُقهاءِ.
وكرِهَ مالِكٌ وأصحابُه الصُّورةَ الأخيرةَ:
قالُوا: لأنَّ ذلك يَصرِفُ نِيةَ المُجاهِدينَ لقِتالِ الدُّنيا، ويُؤدِّي إلى التَّحامُلِ على القِتالِ، ورُكوبِ المَخاطِرِ، وقالَ عُمرُ الفاروقُ ﵁:«لا تُقدِّموا جَماجِمَ المُسلِمينَ إلى الحُصونِ، لَمُسلِمٌ أستَبقِيه أحَبُّ إلَيَّ من حِصنٍ أفتَحَه»، وقالُوا: يَنفُذُ الشَّرطُ وإنْ كانَ مَمنوعًا إنْ لم يُبطِلْه الإمامُ قبلَ حَوزِ المَغنَمِ.
قالَ في «الشَّرحِ الصَّغيرِ»: ولا يَجوزُ للإمامِ قبلَ انقِضاءِ القِتالِ أنْ يَقولَ: مَنْ قتَلَ قَتيلًا فله سلَبُه؛ لأنَّه يَصرِفُ نِيتَهم لقِتالِ الدُّنيا، ولذا جازَ بعدَ القُدرةِ عليهم، وإنْ وقَعَ ذلك منه مَضى وعُملَ بمُقتَضاه، إنْ لمْ يُبطِلْه قبلَ حَوزِ المَغنَمِ بأنْ لم يُبطِلْه أصلًا أو أبطَلَه بعدَ الحَوزِ؛ فإنْ أبطَلَه قبلَ حَوزِه بطَلَ واعتُبِر إبطالُه فيما بعدَ الإبطالِ لا فيما قبلَه (١).
مَحَلُّ التَّنفيلِ:
يَجوزُ التَّنفيلُ من بَيتِ المالِ الذي عندَ الإمامِ، ويُشترطُ في هذه الحالةِ أنْ يَكونَ النَّفلُ مَعلومًا نَوعًا وقَدرًا، كما يَجوزُ أنْ يُنفِّلَ ممَّا سيَغنَمُ من الأعداءِ، والجَهالةُ تُغتفَرُ فيها للحاجةِ.