للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوكِّلَ مَنْ يَفسَخُه، وكنِكاحٍ وخُلعٍ وطَلاقٍ، بِناءً على أنَّ المُرادَ بالفَسخِ مُطلَقُ الحَلِّ. فيَجوزُ لِلإنسانِ أنْ يُوكِّلَ مَنْ يُطَلِّقُ عنه زَوجَتَه، وإنْ بحَيْضٍ؛ لأنَّ النَّهيَ عنه لِعارِضٍ (١).

وقالَ الشَّافِعيَّةُ: يَصحُّ التَّوكيلُ في الفُسوخِ؛ لأنَّه إذا جازَ في العُقودِ ففي حَلِّها أوْلَى، وذلك كالفُسوخِ المُتَراخِيةِ، كالإيداعِ والوَقفِ والوَصِيَّةِ والجَعالةِ والضَّمانِ والشَّرِكةِ والفَسخِ بخِيارِ المَجلِسِ والشَّرطِ.

أمَّا الفَسخُ الذي على الفَورِ فيُنظَرُ فيه، إنْ حصَل عُذرٌ لا يُعَدُّ به مُقَصِّرًا بالتَّوكيلِ فكَذلك، وإلَّا فلا يَصحُّ التَّوكيلُ فيه؛ لِلتَّقصيرِ (٢).

وقالَ الحَنابِلةُ: تَصحُّ الوَكالةُ في كلِّ حَقٍّ لِآدَميٍّ مِنْ عَقدٍ وفَسخٍ لِنحوِ بَيعٍ وطَلاقٍ؛ لأنَّ ما جازَ التَّوكيلُ في عَقدِه، جازَ في حَلِّه بطَريقٍ أوْلَى (٣).

التَّوكيلُ في الطَّلاقِ:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على صِحَّةِ التَّوكيلِ في الطَّلاقِ (٤) بأنْ


(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٥٢، ٥٣)، و «المعونة» (٢/ ٢٠٦)، و «التاج والإكليل» (٤/ ١٩٥)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٦٩)، و «تحبير المختصر» (٤٢٧٨)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ٦٣).
(٢) «روضة الطالبين» (٣/ ٤٩٠)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٩٧، ١٩٨)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٢٧)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٣٣)، و «الديباج» (٢/ ٣٠٦)، و «كنز الرغبين» (٢/ ٨٤٧).
(٣) «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٥٠٦)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٤٠)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٧٣٧).
(٤) خالف في ذلك ابن حزم ، فقال في «المحلى» (١٠/ ١٩٦): ولا تَجوزُ الوَكالةُ في الطَّلاقِ: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا﴾ [الأنعام: ١٦٤]، فلا يَجوزُ عَمَلُ أحدٍ عن أحَدٍ إلا حيث أجازَه القرآنُ أو السُّنَّةُ الثابتةُ عن رَسولِ اللهِ ، ولا يَجوزُ كلامُ أحدٍ عن كلامِ غَيرِه، من حيث أجازَه القرآنُ أو سُنَّةٌ عن رَسولِ اللهِ ، ولم يأتِ في طَلاقِ أحَدٍ عن أحَدٍ بتَوكيلِه إياه قُرآنٌ ولا سُنَّةٌ، فهو باطِلٌ. والمُخالِفونَ لنا أصحابُ قِياسٍ بزَعمِهم، وبالضَّرورةِ يَدري كلُّ أحَدٍ أنَّ الطَّلاقَ كَلامٌ، والظِّهارَ كَلامٌ، واللِّعانَ كَلامٌ، والإيلاءَ كَلامٌ، ولا يَختلِفونَ في أنه لا يَجوزُ أنْ يُظاهِرَ أحَدٌ عن أحَدٍ، ولا أنْ يُلاعِنَ أحَدٌ عن أحَدٍ، ولا أنْ يُؤْلِيَ أحَدٌ عن أحَدٍ، لا بوَكالةٍ ولا بغَيرِها، فهَلَّا قاسُوا الطَّلاقَ على ذلك؟ ولكِنْ لا النُّصوصَ يَتَّبِعونَ، ولا القياسَ يُحسِنونَ. وكلُّ مَكانٍ ذَكرَ اللهُ تَعالى فيه الطلاقَ، فإنه خاطَبَ به الأزواجَ، لا غَيرَهم، فلا يَجوزُ أنْ يَنوبَ غَيرُهم عنهم، لا بوَكالةٍ ولا بغَيرها؛ لأنه كان تَعَدِّيًا لحُدودِ اللهِ ﷿، وقد قالَ تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩)﴾ [البقرة: ٢٢٩]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦]، فلا خِيارَ لِأحَدٍ في خِلافِ ما جاء به النَّصُّ، وما نَعلَمُ إجازةَ التوكيلِ في الطلاقِ عن أحَدٍ من المُتقدِّمينَ إلا عن إبراهيمَ والحَسَنِ. اه.

<<  <  ج: ص:  >  >>