اختلَف الفُقهاءُ في صِفةِ التَّفرُّقِ، هل هو التَّفرُّقُ بالأبدانِ، فإذا تَصارَفا ولَم يَقبِضِ الآخَرُ إلَّا في نِهايةِ المَجلِسِ، وإنْ طالَ صَحَّ الصَّرفُ، أو لا بدَّ مِنْ أنْ يَكونَ يَدًا بيَدٍ في الحالِ؟
فذهَب الحَنفيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ الِافتِراقَ المَقصودَ في هذه الأحاديثِ السَّابِقةِ هو التَّفرُّقُ بالأبدانِ.
قالَ الكاسانِيُّ ﵀: وتَفسيرُ الِافتِراقِ هو أنْ يَفتَرقَ العاقِدانِ ببَدَنَيْهما عن مَجلِسِهما، فيَأخُذَ هذا في جِهةٍ، وهذا في جِهةٍ، أو يَذهَبَ أحَدُهما ويَبقَى الآخَرُ حتى لو كانا في مَجلِسِهما لَم يَبرَحا عنه، لَم يَكونا مُفترِقَيْنِ، وإنْ طالَ مَجلِسُهما؛ لِانعِدامِ الِافتِراقِ ببَدَنَيْهما، وكذا إذا ناما في المَجلِسِ، أو أُغميَ عليهما، لِما قُلْنا، وكذا إذا قاما عن مَجلِسِهما فذَهَبا مَعًا في جِهةٍ واحِدةٍ وطَريقٍ واحِدةٍ ومَشَيا مِيلًا أو أكثَرَ ولَم يُفارِقْ أحَدُهما صاحِبَه، فلَيسا بمُفترِقَيْنِ؛ لأنَّ العِبرةَ لِتَفرُّقِ الأبدانِ، ولَم يُوجَدْ فَرقٌ بينَ هذا وبينَ خِيارِ المُخيَّرةِ إذا قامَتْ عن مَجلِسِها، أو اشتَغَلتْ بعَمَلٍ آخَرَ يَخرُجُ الأمْرُ مِنْ يَدِها؛ لأنَّ خِيارَ المُخيَّرةِ يَبطُلُ بالإعراضِ عَمَّا فُوِّضَ إليها، والقيامُ عن المَجلِسِ أو الِاشتِغالُ بعَمَلٍ آخَرَ دَليلُ الإعراضِ، وهَهُنا لا عِبرةَ بالإعراضِ، إنَّما العِبرةُ لِلافتِراقِ بالأبدانِ، ولَم يُوجَدْ.
ورُويَ عن مُحمَّدٍ أنَّه ألحَقَ هذا بخِيارِ المُخيَّرةِ حتى لو نامَ طَويلًا، أو وجَد ما يَدلُّ على الإعراضِ يَبطُلُ الصَّرفُ، كالخِيارِ.