للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّكرانِ الَّذي تَصحُّ تَصرُّفاتُه عِندَنا بأنَّه مَنْ معهُ مِنَ العَقلِ ما يَقومُ بهِ التَّكليفُ.

وتَعجَّبَ منهُ في «الفَتح»، وقالَ: لا شَكَّ أنَّه على هذا التَّقديرِ لا يتَّجِهُ لأحدٍ أنْ يَقولَ: لا تَصحُّ تَصرُّفاتُه (١).

الحالةُ الثانيَةُ: أنْ يَسكرَ بمُحرَّمٍ:

اختَلفَ أهلُ العِلمِ فيما لو تَعدَّى الإنسانُ بسُكرِه، بأنْ شَربَ مُسكِرًا وهوَ يَعلمُ أنَّه مُسكِرٌ يُزيلُ العَقلَ مُختارًا لذلكَ غَيرَ مُكرَهٍ وطلَّقَ في حالِ سُكرِه، هل يَقعُ طلاقُه أم لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحنفيَّةُ والمالكيَّةُ في المَشهورِ والشَّافعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ طلاقَ السَّكرانِ الَّذي تَعدَّى بسُكرِهِ يَقعُ، سَواءٌ كانَ عندَه تَمييزٌ أم لا؛ لأنَّ أحكامَ التَّكليفِ المُتعلِّقةَ بالتَّغليظِ جارِيةٌ عليهِ كالقَوَدِ إذا قتَلَ، والحدِّ إذا زَنَى أو قذَفَ، ووُجوبِ قَضاءِ الصَّلاةِ، فكذلكَ الطَّلاقُ، ولأنَّ كلَّ مَنْ يُحدُّ إذا وُجدَ لفظُ القَذفِ منهُ فإنَّه إذا طلَّقَ نفَذَ طلاقُه كالصَّاحِي، ولأنَّه حالٌ لا تَمنعُ حدَّ القَذفِ، فلم تَمنعْ نَفاذَ الطَّلاقِ كحالِ الصَّحوِ، ولأنَّ كلَّ حالِ يَلزمُه قَضاءُ الصَّلواتِ المَتروكةِ وحدُّ القَذفِ فيها لَزمَه الطَّلاقُ المُوقَعُ فيها، أصلُه الصَّحوُ (٢).


(١) «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٢٤٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٩٨).
(٢) «المعونة» (١/ ٥٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>