للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحمدًا يَقتلُ أَصحابَه» ولمَّا رَآه بعضُ أَصحابِه معَ زَوجتِه صَفيةَ بِنتِ حُييٍّ قالَ: «رُويدَكما، إنَّها صَفيةُ بِنتُ حُييٍّ» لئلا تَقعَ في نُفوسِهما تُهمةٌ له.

ومَن تَدبَّرَ الشَّريعةَ وما اشتمَلَتْ عليه مِنْ المَصالحِ وسدِّ الذَّرائعِ تبيَّنَ له الصَّوابُ في هذه المَسألةِ، وباللهِ التَّوفيقُ» (١).

المَسألةُ الثانيةُ: حُكمُ القاضِي وهو غَضبانُ:

اتفَقَ أَهلُ العِلمِ على أنَّ القاضِي لا يَنبغي له أنْ يَقضيَ وهو غَضبانُ، ويَنبغي أنْ يَعتمدَ بنَظرِه الوَقتَ الذي يَكونُ فيه ساكنَ النَّفسِ مُعتدلَ الأَحوالِ؛ ليَقدرَ على الاجتِهادِ في النَّوازلِ ويَحترسَ مِنْ الزَّللِ في الأَحكامِ. فإنْ تغيَّرَتْ حالُه بغَضبٍ أو حَردٍ تغيَّرَ فيها عَقلُه وخُلقُه توقَّفَ عن الحُكمِ؛ احترازًا مِنْ الزَّللِ فيه لمَا رواه الشَّيخانِ عن عَبدِ المَلكِ بنِ عُميرٍ سمِعْتُ عبدَ الرَّحمنِ بنِ أَبي بَكرةَ قالَ: كتَبَ أَبو بَكرةَ إلى ابنِه -وكانَ بسِجستانَ- بألَّا تَقضيَ بينَ اثنينِ وأنت غَضبانُ فإنِّي سمِعْتُ النَّبيَّ يَقولُ: «لا يَقضينَّ حَكمٌ بينَ اثنينِ وهو غَضبانُ» (٢).

ولأنَّه إذا غضِبَ تغيَّرَ عَقلُه ولمْ يَستوفِ رَأيَه وفِكرَه.

وفي مَعنى الغَضبِ كلُّ ما شغَلَ فِكرَه مِنْ الجُوعِ المُفرطِ، والعَطشِ الشَّديدِ، والوَجعِ المُزعِجِ، ومُدافعةِ أَحدِ الأَخبثينِ، وشِدةِ النُّعاسِ، والهمِّ والغمِّ والحُزنِ والفَرحِ، فهذه كلُّها تَمنعُ الحاكمَ؛ لأنَّها تَمنعُ حُضورَ القَلبِ


(١) «الطرق الحكمية» ص (٢٨٩، ٢٩٢).
(٢) أخرجه البخاري (٣٧٣٩)، ومسلم (١٧١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>