مَنْ لم يَثبتْ عُسرُه وهو يُقِرُّ بالمَلاءِ وامتَنعَ مِنْ الإنفاقِ والطَّلاقِ -أي: ولم يَكنْ له مالٌ ظاهِرٌ- فإنه يُعجَّلُ عليهِ الطلاقُ على قَولٍ، ويُسجَنُ حتى يُنفِقَ عليها على آخَرَ، حكاهُما ابنُ عَرفةَ، فإذا سُجنَ ولم يَفعلْ فإنه يُعجَّلُ عليه الطَّلاقُ، كما أنه يُعجَّلُ عليه بلا تلوُّمٍ إذا لم يُجبِ الحاكمَ بشَيءٍ حينَ رفَعَتْه، وأما إذا كانَ له مالٌ ظاهِرٌ أُخذَ منه كَرهًا (١).
المسألةُ الرابِعةُ: إذا رَضِيتْ بإعسارِه أو تزوَّجتْه وهي عالِمَةٌ بذلكَ هل لها الفَسخُ بعدَ ذلكَ أم لا؟
اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو تزوَّجتْه وهي عالِمةٌ بعُسرِه، هل يَجوزُ لها فَسخُ النكاحِ بعدَ ذلكَ لعَدمِ قُدرتِه على النَّفقةِ أم لا؟
فذهَبَ المالِكيةُ في المَشهورِ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّ الزوجةَ إذا عَلِمتْ عندَ العَقدِ عليها بفَقرِه فليسَ لها الفَسخُ ولو أيسَرَ بعدُ ثمَّ أعسَرَ؛ لأنها رَضِيتْ بعَيبِه ودخَلَتْ في العَقدِ عالِمةً به، فلَم تَملكِ الفسخَ كما لو تزوَّجتْ عِنِّينًا عالِمةً بعُنَّتِه أو قالَتْ بعدَ العَقدِ: «قد رَضيتُ به عِنينًا".
قالَ المالِكيةُ: وكذا لو عَلِمتْ عندَ العَقدِ عليها أنَّ زوْجَها مِنْ السؤَّالِ الطائِفينَ على الأبوابِ ودخَلَتْ على ذلكَ راضِيةً فإنه لا يَثبتُ لها حَقُّ في الفَسخِ، ولَزمَها المُقامُ معَه بلا نَفقةٍ، وهي مَحمولةٌ على العِلمِ إنْ كانَ مِنْ السؤَّالِ لشُهرةِ حالِه، وعلى عَدمِه إنْ كانَ فَقيرًا لا يَسألُ.
(١) «مواهب الجليل» (٥/ ٤٤٤)، و «شرح مختصر خليل» (٤/ ١٩٧)، و «حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني» (٢/ ١٧١).