للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا حَدُّ القَذفِ فلا يَصحُّ الرُّجوعُ عن الإقرارِ فيهِ؛ لأنَّ للعبدِ فيهِ حقًّا، فيَكونُ مُتهَمًا في الرجوعِ، فلا يَصحُّ كالرجوعِ عن سائرِ الحُقوقِ المُتمحِّضةِ للعبادِ.

وكذلكَ الرُّجوعُ عنِ الإقرارِ بالقِصاصِ؛ لأنَّ القِصاصَ خالِصُ حَقِّ العِبادِ، فلا يَحتمِلُ الرُّجوعَ (١).

ثانيًا: الشَّهادةُ على الزِّنا:

أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنه لو شَهِدَ أربَعُ أحرارٍ عُدولٍ بالزِّنا ووَصفُوهُ بأنْ قالُوا: «رَأيْنا ذكَرَه في فَرجِها كالمروَدِ في المكحلَةِ والرِّشا في البئرِ» أنَّ عليه الحَدُّ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٥]، وقولِه تعالَى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ﴾ [النور: ٤].

وعن أبِي هُريرة أنَّ سعدَ بنَ عُبادةَ قالَ لرسولِ اللهِ : «أَرَأيتَ إنْ وَجدْتُ مع امرَأتي رَجلًا أَأُمهِلُه حتَّى آتِيَ بأربَعةِ شُهداءَ، فقالَ رسولُ اللهِ : نعَمْ» (٢).

وذلكَ لأنَّ اللهَ تعالَى يُحبُّ الستْرَ على عِبادِه، وفي اشتِراطِ الأربَعةِ يَتحقَّقُ معنَى الستْرِ؛ إذ وُقوفُ الأربَعةِ على هذه الفاحِشةِ في غايةٍ مِنْ النُّدْرةِ.

وقد نقَلَ عَددٌ كَبيرٌ مِنْ العُلماءِ الإجماعَ على هذا.


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٣٣).
(٢) رواه مسلم (١٠٠٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>