للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رُوي عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «لَا جِزيةَ عَلَى عَبْدٍ» (١)، وفي رَفعِه نَظرٌ، وهو ثابِتٌ عن ابنِ عُمرَ، وإنَّ العبدَ مَحقونُ الدَّمِ فأشبَهَ النِّساءَ والصِّبيانَ، ولأنَّه لا مالَ له فهو أسوأُ حالًا من الفَقيرِ العاجِزِ، ولأنَّها لو وجَبَت عليه لوجَبَت على سَيِّده؛ إذْ هو المُؤدِّي لها عنه، فيَجبُ عليه أكثَرُ من جِزيةٍ، ولأنَّه تَبعٌ فلمْ تَجِبْ عليه الجِزيةُ كذُرِّيةٍ الرَّجلِ وامرأتِه، ولأنَّه مَملوكٌ فلمْ تَجِبْ عليه كبَهائِمِه ودَوابِّه.

وعن أحمدَ رِوايةٌ أُخرى أنَّها تَجِبُ عليه (٢).

خامِسًا: المَقدرةُ الماليةُ:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ الجِزيةَ تُوضَعُ على الفَقيرِ المُعتمِلِ (المُتكسِّبِ) وهو القادِرُ على العَملِ.

واختَلفُوا في الفَقيرِ غيرِ المُعتمِلِ غيرِ القادِرِ على أدائِها:

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابِلةُ والشافِعيُّ في قَولٍ إلى أنَّ الجِزيةَ لا تَجِبُ على الفَقيرِ العاجِزِ عن العَملِ (٣).

واستدَلُّوا لذلك بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، ووَجهُ الاستِدلالِ من الآيةِ أنَّ الفَقيرَ العاجِزَ عن الكَسبِ ليسَ في وُسعِه أنْ يَدفعَ الجِزيةَ، ومتى كانَ الأمرُ كذلك فلا يُكلَّفُ بها.


(١) قال الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (٤/ ١٢٣): رُوي مَرفوعًا ومَوقوفًا على عُمرَ، وليسَ له أصلٌّ بل المَرويُّ عنها خِلافَه.
(٢) «أحكام أهل الذمة» (١/ ٥٨).
(٣) «المغني» (١٢/ ٦٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>