للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرطُ الرابعُ: مَعرِفةُ قَدْرِ المُسلَمِ فيه:

اتَّفَق الفُقهاءُ على أنَّه يُشترَطُ أنْ يَكونَ المُسلَمُ فيه مَعلومَ القَدْرِ بالكَيلِ فيما يُكالُ، أو الوزنِ فيما يُوزَنُ، أو العَدِّ فيما يُعَدُّ، أو الذَّرعِ فيما يُذرَعُ؛ لقَولِ النَّبيِّ : «مَنْ أسْلَفَ في تَمْرٍ فلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ ووَزْنٍ مَعْلُومٍ إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ» (١)، ولأنَّ جَهالةَ القَدْرِ جَهالةٌ مُفضيةٌ إلى المُنازَعةِ، ومُفسِدةٌ لِلعَقدِ؛ ولأنَّه عِوَضٌ غيرُ مُشاهَدٍ في الذِّمَّةِ، فاشتُرِطَ مَعرفةُ قَدْرِه، كالثَّمنِ، ولا يُعلَمُ في اعتِبارِ مَعرِفةِ المِقدارِ خِلافٌ بينَ الفُقهاءِ.

ويَجبُ أنْ يُقدِّرَه بمِكيالٍ، أو أرطالٍ مَعلومةٍ عندَ العامَّةِ؛ فإنْ قَدَّره بإناءٍ مَعلومٍ، أو صَنجةٍ مُعيَّنةٍ غيرِ مَعلومةٍ لَم يَصحَّ؛ لأنَّه يَهلِكُ، فيُتعَذَّرُ مَعرِفةُ قَدْرِ المُسلَمِ فيه، وهذا غَرَرٌ لا يَحتاجُ إليه العَقدُ.

قالَ ابنُ المُنذرِ : وأجمَعَ كلُّ مَنْ نَحفَظُ عنه مِنْ أهلِ العِلمِ على أنَّ السَّلَمَ في الطَّعامِ لا يَجوزُ بقَفيزٍ لا يُعرَفُ عيارُه، ولا في ثَوبٍ بذِراعِ فُلانٍ (٢) لأنَّ المِعيارَ لو تلِف أو ماتَ فُلانٌ بطَل السَّلَمُ.

وإنْ عَيَّنَ مِكيالَ رَجُلٍ أو ميزانَه وكانا مَعروفَيْنِ عندَ العامَّةِ؛ جازَ، ولم يَختَصَّ بهما، وإنْ لَم يَعرِفا لَم يَجُزْ.

ولا بُدَّ مِنْ تَقديرِ المَذروعِ بالذَّرعِ بلا خِلافٍ بينَ العُلماءِ، قال الإمامُ ابنُ المُنذرِ: أجمَعَ كلُّ مَنْ نَحفَظُ عنه مِنْ أهلِ العِلمِ على أنَّ السَّلَمَ في الثيابِ


(١) رواه البخاري (٢٢٤٠)، ومسلم (١٦٠٤).
(٢) «الإشراف» (٦/ ١٠٦)، و «الإجماع» (٤٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>