للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُكنُ الإحصارِ:

اختلَف الفُقهاءُ في المَنعِ الذي يَتحقَّقُ به الإحصارُ، هل يَشملُ المَنعَ بالعَدوِّ والمَنعَ بالمَرضِ ونحوَه من العِللِ، أم يَختصُّ بالحَصرِ بالعَدوِّ؟

فذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ لِمن يَتعذَّرُ عليه الوُصولُ إلى البَيتِ بغيرِ حَصرِ العَدوِّ من مَرضٍ أو عَرجٍ أو ذَهابِ نفَقةٍ ونحوِ ذلك أنْ يَتحلَّلَ بذلك.

واستدلَّ الجُمهورُ على ذلك بالكِتابِ والآثارِ والمَعقولِ.

أمَّا الكِتابُ: فقال اللهُ تَعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ قال الإمامُ الشافِعيُّ : فلم أسمَعْ مُخالِفًا ممَّن حفِظتُ عنه ممَّن لَقيتُ من أهلِ العِلمِ بالتَّفسيرِ في أنَّها نزَلت بالحُدَيبيةِ وذلك إحصارُ عَدوٍّ، فكانَ في الحَصرِ إذنُ اللهِ تَعالى لِصاحبِه فيه بما استَيسَر من الهَديِ، ثم بيَّن رَسولُ اللهِ أنَّ الذي يَحلُّ منه المُحرِمُ الإحصارُ بالعَدوِّ، فرَأيتُ أنَّ الآيةَ بأمرِ اللهِ تَعالى بإتمامِ الحَجِّ والعُمرةِ للهِ عامَّةٌ على كلِّ حاجٍّ ومُعتمِرٍ إلا من استَثنى اللهُ ، ثم سنَّ فيه رَسولُ اللهِ من الحَصرِ بالعَدوِّ، وكان المَريضُ عِندي ممَّن عليه عُمومُ الآيةِ (١).

وأمَّا الآثارُ: فقد ثبَت من طُرقٍ عن ابنِ عَباسٍ أنَّه قال: «لا حَصرَ إلا حَصرَ العَدوِّ، فأمَّا مَنْ أصابَه مَرضٌ، أو وَجعٌ أو ضَلالٌ،


(١) «الأم» (٢/ ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>