الحالةُ الثانيةُ: أنْ يَشهدَ الكُفارُ بَعضُهم على بعضٍ:
اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ قَبولِ شَهادةِ أهلِ الكِتابِ بعضِهم على بَعضٍ هل تَجوزُ أو لا؟
فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا تَجوزُ شَهادةُ أهلِ الكِتابِ بعضِهم على بعضٍ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]، فمنَعَت هذه الآيةُ من قَبولِ شَهادتِهم من وَجهَينِ:
أَحدُهما: أنَّهم غيرُ عُدولٍ.
والثانِي: أنَّهم ليسوا مِنَّا.
وقالَ تَعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجر: ٦] والكافِرُ فاسِقٌ، فوجَبَ أنْ يُتثبَّتَ في خَبَرِه، والشَّهادةُ أغلَظُ من الخَبَرِ، فأوجَبَت التَّوقُّفَ عن شَهادتِه.
ولقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)﴾ [النساء: ١٤١]، نَفى اللهُ ﷾ أنْ يَكونَ للكافِرينَ على المُؤمِنينَ سَبيلٌ، وفي قَبولِ شَهادةِ بَعضِهم على بعضٍ إِثباتُ السَّبيلِ للكافِرينَ على المُؤمِنينَ؛ لأنَّه يَجبُ على القاضِي القَضاءُ بشَهادتِهم وأنَّه مَنفيٌّ، ولأنَّ العَدالةَ شَرطُ قَبولِ الشَّهادةِ، ولأنَّ الفِسقَ مانِعٌ والكُفرَ رأسُ الفِسقِ، فكانَ أَولَى بالمَنعِ من القَبولِ.
ولمَا رَواه أَبو هُريرةَ مَرفوعًا:«لا تَجوزُ شَهادةُ مِلةٍ على مِلةٍ إلا شَهادةَ المُسلِمينَ؛ فإنَّها تَجوزُ على جَميعِ المِللِ»(١).