للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنفيةُ: والوَصيةُ بالخُمسِ أفضَلُ من الوَصيةِ بالرُّبعِ والوَصيةُ بالرُّبعِ أفضَلُ من الوَصيةِ بالثُّلثِ؛ لمَا رُويَ عن سَيِّدِنا علِيٍّ أنَّه قالَ: «لَأنْ أُوصيَ بالخُمسِ أحَبُّ إليَّ من أنْ أُوصيَ بالرُّبعِ، ولَأنْ أُوصيَ بالرُّبعِ أحَبُّ إلَيَّ من أنْ أُوصيَ بالثُّلثِ»، ومَن أوصَى بالثُّلثِ لم يَتركْ شَيئًا، أي: لم يَترُكْ من حَقِّه شَيئًا لوَرثتِه؛ لأنَّ الثُّلثَ حَقُّه، فإذا أَوصَى بالثُّلثِ لم يَتركْ من حَقِّه شَيئًا لهم (١).

وأمَّا الحَنابِلةُ فقالَ منهم ابنُ قُدامةَ: والذي يَقوَى عندي أنَّه متى كانَ المَتروكُ لا يَفضُلُ عن غِنى الوَرثةِ فلا تُستحبُّ الوَصيةُ؛ لأنَّ النَّبيَّ علَّلَ المَنعَ من الوَصيةِ بقَولِه: «أنْ تَتركَ وَرثتَك أَغنياءَ خَيرٌ من أنْ تَدعَهم عالةً»، ولأنَّ إِعطاءَ القَريبِ المُحتاجِ خَيرٌ من إِعطاءِ الأجنَبيِّ، فمَتى لم يَبلغِ المِيراثُ غِناهم كانَ تَركُه لهم كعَطيَّتِهم إياه، فيَكونُ ذلك أفضَلَ من الوَصيةِ به لغيرِهم، فعندَ هذا يَختلِفُ الحالُ باختِلافِ الوَرثةِ في كَثرتِهم وقِلتِهم وغِناهم وحاجتِهم، فلا يَتقيَّدُ بقَدرٍ من المالِ واللهُ أعلَمُ (٢).

ثانيًا: إذا كانَ المُوصي فَقيرًا وله وَرثةٌ مُحتاجونَ:

ذهَبَ عامَّةُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابِلةُ وبَعضُ الشافِعيةِ إلى أنَّه يُكرهُ للفَقيرِ الذي له وَرثةٌ مُحتاجونَ أنْ يُوصيَ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى قالَ في الوَصيةِ: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٨٠] أي: مالًا.


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٣١)، و «الاختيار» (٥/ ٧٩)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٧٢).
(٢) «المغني» (٦/ ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>