للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشتريَ رَبُّ المالِ مِنْ مُضارِبِه فيَبيعَه مُرابَحةً أو يَشتريَ المُضارِبُ مِنْ رَبِّ المالِ فيَبيعَه مُرابَحةً لكنَّه يَبيعُه على أقَلِّ الثَّمنَيْن، إلا إذا بيَّن الأمرَ على وَجهِه فيَبيعُه كيف شاءَ؛ وإنَّما كان كذلك؛ لأنَّ جَوازَ شِراءِ رَبِّ المالِ مِنَ المُضارِبِ، والمُضارِبِ مِنْ رَبِّ المالِ ثَبَت مَعدولًا به عن القياسِ؛ لِما ذَكَرنا أنَّ رَبَّ المالِ اشتَرى مالَ نَفْسِه بمالِ نَفْسِه، والمُضارِبَ يَبيعُ مالَ رَبِّ المالِ مِنْ رَبِّ المالِ، إذِ المالان مالُه، والقياسُ يأبى ذلك، إلا أنَّا استَحسَنَّا الجَوازَ لِتَعلُّقِ حَقِّ المُضاربِ بالمالِ، وهو مِلكُ التَّصرُّفِ، فجعَل ذلك بَيعًا في حَقِّهما لا في حَقِّ غَيرِهما، بل جُعِل في حَقِّ غَيرِهما مُلحَقًا بالعَدمِ.

ولأنَّ المُرابَحةَ بَيعٌ يُجريه البائِعُ مِنْ غَيرِ بَيِّنةٍ واستِحلافٍ فتَجِبُ صيانَتُه عن الجِنايةِ وعن شُبهِ الجِنايةِ ما أمكَن، وقد تَمكَّنتِ التُّهمةُ في البَيعِ بينَهما لِجَوازِ أنَّ رَبَّ المالِ باعَه مِنَ المُضارِبِ بأكثَرَ مِنْ قيمَتِه ورَضيَ به المُضارِبُ؛ لأنَّ الجُودَ بمالِ الغَيرِ أمرٌ سَهلٌ؛ فكأنَّ تُهمةَ الجِنايةِ ثابِتةٌ والتُّهمةَ في هذا البابِ مُلحَقةٌ بالحَقيقةِ، فلا يَبيعُ مُرابَحةً إلا على أقَلِّ الثَّمنَيْن؛ إلا إذا بيَّن الأمرَ على وَجهِه فيَبيعُه كيفَ شاءَ؛ لأنَّ المانِعَ هو التُّهمةُ وقد زالَت (١).

يَدُ المُضارِبِ يَدُ أمانةٍ:

اتَّفَق فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ العامِلَ أمينٌ على ما في يَدِه مِنْ مالِ المُضاربةِ، وإنْ لَم يَكُنْ أمينًا في الواقِعِ؛ فإنْ تَلِف المالُ في يَدِه مِنْ غَيرِ تَعَدٍّ ولا تَفريطٍ لَم يَضمَنْ؛ لأنَّه نائِبٌ عن رَبِّ المالِ في التَّصرُّفِ فلَم يَضمَنْ


(١) «بدائع الصانع» (٦/ ١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>