إذا قَيَّدَ المُوكِّلُ الوَكيلَ بقُيودٍ مُعيَّنةٍ وجَب عليه أنْ يَلتزِمَ بها، ولا يَجوزَ له أنْ يَتعَدَّاها عندَ تَنفيذِ الوَكالةِ باتِّفاقِ العُلماءِ، وهذا في الجُملةِ، إلَّا أنْ يُخالِفَ إلى خَيرٍ، كَأنْ قالَ له: بِعْ بعَشَرةٍ، فباعَه بأكثَرَ، أو قالَ له: اشتَرِ بعَشَرةٍ فاشتَراه بأقَلَّ.
قالَ الحَنفيَّةُ: التَّوكيلُ بالبَيعِ لا يَخلو إمَّا أنْ يَكونَ مُطلَقًا، وإمَّا أنْ يَكونَ مُقيَّدًا؛ فإنْ كانَ مُقيَّدًا يُراعَى فيه القَيدُ، بالإجماعِ، حتى إنَّه إذا خالَفَ قَيدَه لا يُنَفَّذُ على المُوكِّلِ، ولَكِن يَتوقَّفُ على إجازَتِه، إلَّا أنْ يَكونَ خِلافُه إلى خَيرٍ؛ لأنَّ الوَكيلَ يَتصرَّفُ بوِلايةٍ مُستَفادةٍ مِنْ قِبَلِ المُوكِّلِ، فيَلي مِنْ التَصرُّفِ قَدْرَ ما وَلَّاه، وإنْ كانَ الخِلافُ إلى خَيرٍ؛ فإنَّما نُفِّذَ لأنَّه إنْ كانَ خِلافًا صُورةً، فهو وِفاقٌ مَعنًى؛ لأنَّه آمِرٌ به دِلالةً، فكانَ مُتَصرِّفًا بتَولِيةِ المُوكِّلِ، فنُفِّذَ.
قالَ الكاسانيُّ ﵀: وبَيانُ هذه الجُملةِ: إذا قالَ: بِعْ عَبدي هذا بألْفِ دِرهَمٍ، فباعَه بأقَلَّ مِنْ الألْفِ لا يُنَفَّذُ، وكذا إذا باعَه بغيرِ الدَّراهِمِ لا يُنَفَّذُ، وإنْ كانَتْ قِيمَتُه أكثَرَ مِنْ ألْفِ دِرهَمٍ؛ لأنَّه خِلافٌ إلى شَرٍّ؛ لأنَّ أغراضَ النَّاسِ تَختلِفُ باختِلافِ الأجناسِ، فكانَ في معنَى الخِلافِ إلى شَرٍّ، وإنْ باعَه بأكثَرَ مِنْ ألْفِ دِرهَمٍ نُفِّذَ؛ لأنَّه خِلافٌ إلى خَيرٍ، فلَمْ يَكُنْ خِلافًا أصلًا.
وكَذلك على هذا لو وكَّله بالبَيعِ بألْفِ دِرهَمٍ حالَّةً، فباعَه بألْفٍ نَسيئةً، لَم يُنَفَّذْ، بَلْ يَتوقَّفُ؛ لِمَا قُلْنا.