قالَ ابنُ عابِدينَ: قَولُه: «فله أجْرُ مِثلِه» علَّله في المُحيطِ بأنَّها إجارةٌ فاسِدةٌ.
واعتَرضَه في البَحرِ بأنَّه لا إجارةَ أصْلًا؛ لِعدمِ مَنْ يَقبَلُ، وأجابَ المَقدِسيُّ بحَملِه على أنَّه قالَ ذلك لِجَمعٍ حضَر.
قُلتُ: يُؤيِّدُه ما في إجاراتِ الوَلوالِجِيَّةِ: ضاعَ له شَيءٌ فقالَ: مَنْ دَلَّني عليه فله كذا، فالإجارةُ باطِلةٌ؛ لأنَّ المُستأجَرَ له غيرُ مَعلومٍ، والدِّلالةُ ليسَتْ بعَمَلٍ يَستحقُّ به الأجرَ، فلا يَجِبُ الأجْرُ، وإنْ خصَّصَ بأنْ قالَ لِرَجُلٍ بعَينهِ: إنْ دَلَلتَني عليه فلكَ كذا، إنْ مَشَى له ودَلَّه يَجِبُ أجْرُ المِثلِ في المَشْيِ؛ لأنَّ ذلك عَمَلٌ يُستحَقُّ بعَقدِ الإجارةِ، إلَّا أنَّه غيرُ مُقدَّرٍ بقَدْرٍ، فيَجِبُ أجْرُ المِثلِ، وإنْ دَلَّه بلا مَشْيٍ فهو والأوَّلُ سَواءٌ. اه.
وبه ظهَر أنَّه هُنا إنْ خصَّصَ فالإجارةُ فاسِدةُ؛ لِكَونِ مَكانِ الرَّدِّ غيرَ مُقدَّرٍ، فيَجِبُ أجْرُ المِثلِ، وإنْ عمَّم فباطِلةٌ، ولا أجْرَ (١).
ما تَختلِفُ به الجَعالةُ عن الإجارةُ:
تَختلِفُ الجَعالةُ عن الإجارةِ في بعضِ الأحكامِ، أذكُرُها هُنا مُختصَرةً وسَيَأتي بَيانُها بالتَّفصيلِ:
الأوَّلُ: أنَّ الإجارةَ عَقدٌ لَازِمٌ، والجَعالةُ عَقدٌ جائِزٌ قبلَ الشُّروعِ في العَملِ عندَ المالِكيَّةِ والشَّافِعيَّةِ والحَنابِلةِ؛ فلِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما الرُّجوعُ فيه قبلَ حُصولِ العَملِ، لكنْ إنْ رجَع الجاعِلُ قبلَ التَّلبُّسِ بالعَملِ فلا شَيءَ عليه، وإنْ رجَع بعدَ التَّلبُّسِ به فعليه لِلعامِلِ أُجرةُ مِثلِه؛ لأنَّه إنَّما عمِل بعِوَضٍ، فلَمْ يُسلَّمْ له، وإنْ فسَخ العامِلُ قبلَ إتمامِ العمَلِ فلا شَيءَ له؛ لأنَّه
(١) «الدُّرُّ المختار مع حاشية ابن عابدين» (٤/ ٢٨٠، ٢٨١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute