للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُجيةُ الإِقرارِ ووُجوبُ الحُكمِ به:

لا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ على أنَّ الحُكمَ بالإِقرارِ يَلزَمُ قَبولُه؛ للأدِلةِ السّابِقةِ، ولأنَّ أكثَرَ الحُقوقِ لا يُوصَلُ إليها إلا بالإِقرارِ، فكانَت الضَّرورةُ داعيةً إلى الأخذِ به، والحاجةُ ماسةٌ إلى العَملِ عليه (١).

قالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : الإِقرارُ إذا كانَ بيِّنا فلا خِلافَ في وُجوبِ الحُكمِ به (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ القَيمِ : الحُكمُ بالإِقرارِ قالَ اللهُ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾ [المائدة: ٨]، وفي الآيةِ الأُخرى: ﴿كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [النساء: ١٣٥]، ولا خِلافَ أنَّه لا يُعتبَرُ في صِحةِ الإِقرارِ أنْ يَكونَ بمَجلِسِ الحاكِمِ.

إلا شَيئًا حَكاه مُحمدُ بنُ الحَسنِ الجَوزيِّ في كِتابِ «النَّوادر» له، فقالَ: قالَ ابنُ أبي لَيلَى: لا أُجيزُ إِقرارًا في حَقٍّ أنكَرَه الخَصمُ عِندي إلا إِقرارًا بحَضرَتي، ولعَلَّه ذهَبَ في ذلك إلى أنَّ الإِقرارَ لمَّا كانَ شَهادةَ المَرءِ على نَفسِه اعتُبِرَ له مَجلِسُ الحُكمِ كالحُكمِ بالبيِّنةِ، والفَرقُ ظاهِرٌ لا خَفاءَ به.

ويُحكَمُ بإِقرارِ الخَصمِ في مَجلِسِه إذا سمِعَه معَه شاهِدانِ بغَيرِ خِلافٍ، فإنْ لم يَسمَعْه معَه غَيرُه نَصَّ أحمَدُ على أنَّه يُحكَمُ به وإنْ لم نَقُلْ يُحكَمُ بعِلمِه، فإنَّ مَجلِسَ الحاكِمِ مَجلِسُ فَصلِ الخُصوماتِ، وقد جَلَسَ لذلك،


(١) «الحاوي الكبير» (٧/ ٤)، و «المهذب» (٢/ ٣٤٣).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>