إلَّا أنَّ الفُقهاءَ الذين قالوا:«إنَّها جائِزةٌ» استَثنَوْا حالاتٍ تَكونُ فيها الوَكالةُ لَازِمةً ولو كانَتْ مِنْ غيرِ جُعلٍ:
الحالةُ الأُولَى: ألَّا يَتعلَّق بها حَقٌّ لِلآخرينَ:
نَصَّ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ في المَشهورِ على أنَّ الوَكالةَ تَكونُ لَازِمةً، وليسَ لِأحَدِهِما فَسخُها إذا تَعلَّق بها حَقُّ الآخرينَ، فلا يَصحُّ العَزلُ بغيرِ رِضا صاحِبِ الحَقِّ؛ لأنَّ في العَزلِ إبطالَ حَقِّه مِنْ غيرِ رِضاه، ولا سَبيلَ إليه، وهو كَمَنْ رَهَنَ مالَه عندَ رَجُلٍ بَدَيْنٍ له عليه، أو وَضَعَه على يَدَيْ عَدْلٍ، وجعَل المُرتهَنَ أوِ العَدْلَ مُسلَّطًا على بَيعِه وقَبْضِ ثَمَنِه عندَ حُلولِ الأجَلِ، فعزَل الرَّاهِنُ المُسلَّطَ على البَيعِ، لا يَصحُّ به عَزلُه.
قالَ الحَنفيَّةُ: إذا وكَّل الرَّاهِنُ المُرتهَنَ، أو العَدلَ، أو غيرَهما ببَيعِ الرَّهنِ عندَ حُلولِ الأجَلِ، فالوَكالةُ جائِزةٌ؛ لأنَّه تَوكيلُ بَيعِ مالِه؛ فَإنْ شرَط الوَكالةَ في عَقدِ الرَّهنِ فليسَ لِلرَّاهِنِ عَزْلُه عَنها؛ فَإنْ عزَله لَم يَنعزِلْ؛ لأنَّ الوَكالةَ لمَّا شُرِطَتْ في عَقدِ الرَّهنِ صارَتْ وَصفًا مِنْ أوصافِه، وحَقًّا مِنْ حُقوقِه، ألَا تَرَى أنَّها لِزيادةِ الوَثيقةِ، فتَلزَمُ بلُزومِ أصلِه، ولأنَّه تَعلَّق به حَقُّ المُرتهَنِ، وفي العَزلِ إبطالُ حَقِّه، وصارَ كالوَكالةِ بالخُصومةِ بطَلَبِ المُدَّعِي، ولو وكَّله بالبَيعِ مُطلَقًا حتى ملَك البَيعَ بالنَّقدِ والنَّسيئةِ ثم نَهاه عن البَيعِ بالنَّسيئةِ، لَم يُعمَلْ بنَهيِه؛ لأنَّه لَازِمٌ بأصْلِه، فكذا بوَصفِه، وكذا لا يَنعزِلُ