وأمَّا مُوافَقتُه لقَواعدِ شَرعِه: فإنَّ البِكرَ البالِغةَ العاقِلةَ الرَّشيدةَ لا يتصرَّفُ أبوها في أقَلِّ شيءٍ مِنْ مالِها إلَّا برِضاها، ولا يُجبِرُها على إخراجِ اليَسيرِ منه بدونِ رضاها، فكيفَ يَجوزُ أنْ يُرِقَّها ويُخرجَ بُضعَها منها بغيرِ رِضاها إلى مَنْ يُريدُه هو، وهيَ مِنْ أكرَهِ الناسِ فيهِ، وهو مِنْ أبغَضِ شيءٍ إليها؟ ومع هذا فيُنكِحُها إياه قَهرًا بغيرِ رضاها إلى مَنْ يُريدُه ويَجعلُها أسيرةً عندَه، كما قالَ النبيُّ ﷺ: «اتَّقوا اللهَ في النِّساءِ، فإنَّهنَّ عَوانٌ عندَكم»، أي أَسرَى، ومَعلومٌ أنَّ إخراجَ مالِها كلِّه بغيرِ رضاها أسهَلُ عليها مِنْ تزويجِها بمَن لا تَختارُه بغيرِ رِضاها، ولقدْ أبطَلَ مَنْ قالَ: «إنها إذا عيَّنَتْ كُفئًا تُحبُّه وعيَّنَ أبوها كُفئًا فالعِبرةُ بتَعيينِه ولو كانَ بَغيضًا إليها قَبيحَ الخِلقةِ».
وأمَّا مُوافَقتُه لمَصالحِ الأمَّةِ: فلا يَخفَى مَصلحةُ البنتِ في تزويجِها بمَن تَختارُه وتَرضاهُ، وحُصولُ مَقاصدِ النكاحِ لها به وحُصولُ ضِدِّ ذلكَ بمَن تُبغضُه وتَنفرُ عنه، فلو لم تَأتِ السُّنةُ الصَّريحةُ بهذا القَولِ لَكانَ القِياسُ الصَّحيحُ وقَواعدُ الشَّريعةِ لا تَقتضِي غيرَه، وباللهِ التوفيقُ (١).
غيرُ الأبِ أو الجَدِّ لا يَجوزُ له إجبارُ البِكرِ البالغةِ إجماعًا:
أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ غيرَ الأبِ والجَدِّ لا يَجوزُ له أنْ يُنكِحَ البكرَ البالِغةَ بغيرِ إذنِها ورِضاها.
(١) «زاد المعاد» (٥/ ٩٦، ٩٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute