ولو باعَ وشرَط الخِيارَ لِلآمِرِ فليسَ له أنْ يُجيزَ؛ لأنَّه لو ملَك الإجازةَ بنَفْسِه لَم يَكُنْ لِلتَّقييدِ فائِدةٌ، وخِيارُ الآمِرِ باقٍ حتى لو أجازَ كانَ له، وأنَّه فَسخٌ يَلزَمُ الوَكيلَ؛ لأنَّ الخِيارَ ثَبَتَ لِلآمِرِ بالشَّرطِ، فصارَ كَخيارِ العَيبِ إذا ثَبَتَ بالعَقدِ (١). هَكذا قالَ الكاسانيُّ في البَدائِعِ والبَحرِ الرَّائِقِ، لكنْ قالَ السَّرخَسيُّ: وإذا أمَرَه أنْ يَبيعَه ويَشترِطَ الخِيارَ لِلآمِرِ ثَلاثةَ أيَّامٍ، فباعَه بغيرِ خِيارٍ، أو بخِيارٍ دونَ الثَّلاثةِ، فدفَعه، فبَيْعُه باطِلٌ، وهو له ضامِنٌ؛ لأنَّه أتَى بعَقدٍ هو أضَرُّ على الآمِرِ؛ فإنَّه أمَرَه بالبَيعِ على وَجهٍ يَكونُ الرَّأْيُ في هذه الثَّلاثةِ إلى المُوكِّلِ بينَ أنْ يَفسَخَ العَقدَ، أو يُمضيَه، وقَد أتَى بعَقدٍ لا يَثبُتُ فيه هذا القَدرُ مِنْ الرَّأْيِ لِلآمِرِ، فكانَ مُخالِفًا، كالغاصِبِ.
ولو قالَ: بِعْهُ واشتَرِطِ الخِيارَ لي شَهرًا، فباعَه وشرَط الخِيارَ له ثَلاثةَ أيَّامٍ، جازَ في قَولِ أبي حَنيفةَ ﵀ استِحسانًا، ولَم يَجُزْ في قَولهما؛ لأنَّ مِنْ أصْلِهما أنَّ الخِيارَ يَثبُتُ في مُدَّةِ الشَّهرِ، ويَصحُّ البَيعُ مَعه؛ فإنَّما أمَرَه بعَقدٍ يَكونُ فيه الرَّأْيُ إلى الآمِرِ في هذه المُدَّةِ، وهو لَم يَأتِ بذلك، فكانَ ضامِنًا، وإنَّ مِنْ أصْلِ أبي حَنيفةَ ﵀ أنَّ اشتِراطَ الخِيارِ في البَيعِ لا يَجوزُ أكثَر مِنْ
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٧)، و «البحر الرائق» (٦/ ٢٢)، و «الهندية» (٣/ ٥٣).