للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكمُ العارِيةِ مِنْ حيثُ اللُّزومُ وعَدمُه:

اختَلفَ الفَقهاءُ في العارِيةِ، هل هي لَازمةٌ أو غيرُ لَازمةٍ فيَجوزُ للمُعيرِ أنْ يَرجعَ فيها متى شاءَ؟

وذلك بعدَ اتِّفاقِهم على أنَّه يَجوزُ للمُستَعيرِ أنْ يَردَّ العارِيةَ متى شاءَ؛ لأنَّه إِباحةٌ، فكانَ لمَن أُبِيحَ له تَركُه كإِباحةِ الطَّعامِ (١).

فذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ العاريةَ إما أنْ تَكونَ مُقيَّدةً بعَملٍ كإِعارةِ أرضٍ لزَرعِها بَطنًا أو أكثرَ، أو طَحنِ إِردبٍّ أو حَملِه لكذا، أو رُكوبٍ له، أو أَجلٍ كسُكنَى دارٍ شَهرًا مثلًا، فهي لَازمةٌ في هذه الحالةِ، وليسَ للمُعيرِ أنْ يَرجعَ قبلَ المدةِ أو العملِ المُحدَّدِ، ولا يَجوزُ له أَخذُها قبلَه؛ لأنَّ المُدةَ قد صارَت حقًّا للمُستَعيرِ فلَم يَكنْ للمُعيرِ الرُّجوعُ فيها، كما ليسَ له الرُّجوعُ في الهِبةِ، وذلك لقولِه تعالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]، وقولِه : «كلُّ مَعروفٍ صَدقةٌ» (٢)، ولأنَّ المُعيرَ قد ملَّكَه الانتِفاعَ مدةً مَعلومةً وصارَت العَينُ في يدِه بعَقدٍ مُباحٍ، فلَم يَكنْ له الرُّجوعُ فيها كالعبدِ المُوصى بخِدمتِه والعُمريِّ.

فإذا غرَسَ المُستَعيرُ وبَنى ثُم انقَضَت المُدةُ المُؤقَّتةُ أو مُدةٌ يَنتفِعُ في مثلِها فالمالكُ بالخِيارِ، إنْ شاءَ أخذَ المُستَعيرَ بقلعِ غَرسِه وبِنائِه، وإنْ شاءَ أَعطاه قِيمتَه مَقلوعًا إذا كانَ مما له قِيمةٌ بعدَ القلعِ، وسَواءٌ شرَطَ ذلك في العَقدِ أم لَم


(١) «المغني» (٥/ ١٣٣).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تقَدمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>