للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: الشُّفعةُ للجارِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الجارِ، هل يَثبُتُ له حَقُّ الشُّفعةِ أو لا؟ بعدَ اتِّفاقِهم على أنَّها تَثبُتُ للشَّريكِ أولًا.

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه يُشتَرطُ في الشُّفعةِ أنْ يَكونَ مَشاعًا غيرَ مَقسومٍ، فأمَّا الجارُ فلا شُفعةَ له لمَا رَواه جَابِرُ بنُ عبدِ اللهِ قالَ: «قَضى رَسولُ اللهِ بالشُّفعةِ في كلِّ ما لم يُقسَمْ، فإذا وقَعَت الحُدودُ، وصُرِفت الطُّرقُ، فلا شُفعةَ» (١).

وفي لَفظٍ: «إنَّما الشُّفعةُ فيما لم يُقسَمْ، فإذا وقَعَت الحُدودُ وصُرِفت الطُّرقُ فلا شُفعةَ» (٢).

ففي هذا الحَديثِ دَليلٌ على عَدمِ ثُبوتِ الشُّفعةِ للجارِ؛ لأنَّ قَولَ النَّبيِّ : «إذا وقَعَت الحُدودُ فلا شُفعةَ»، فإنَّ الجارَ قد حدَّدَ مالَه من مالِ جارِه، ولا اشتِراكَ له معه، وهذا ضِدُّ قَولِ مَنْ قالَ بالشُّفعةِ للجارِ، وقَولُه : «الشُّفعةُ فيما لم يُقسَمْ» يَنفي الشُّفعةَ في كلِّ مَقسومٍ.

فصَدرُ الحَديثِ إِثباتُ الشُّفعةِ في غيرِ المَقسومِ ونَفيُها في المَقسومِ؛ لأنَّ كَلمةَ «إنَّما» لإِثباتِ المَذكورِ ونَفيِ ما عَداه، وآخِرُه نَفيُ الشُّفعةِ عندَ وُقوعِ الحُدودِ وصَرفِ الطُّرقِ، والحُدودُ بينَ الجارَينِ واقِعةٌ والطُّرقُ مَصروفةٌ،


(١) أخرجه البخاري (٢١٣٨)، و «مسلم» (١٦٠٨).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥١٤)، وابن ماجه (٢٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>