اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ البُلوغَ والعَقلَ شَرطانِ في عُقوبةِ الحِرابةِ، فلا يُقامُ حَدُّ الحِرابةِ على المَجنونِ ولا الصَّغيرِ ولو كانَ مُراهِقًا، فلا حَدَّ عليهِم؛ لأنَّ الحَدَّ عُقوبةٌ فيَستدعِي جِنايةً، وفِعلُ الصبيِّ والمَجنونِ لا يُوصَفُ بكونِه جِنايةً، ولهذا لم يَتعلقْ به القَطعُ في السرقةِ، كذا هذا، ويَضمَنونَ المالَ والنَّفسَ كما لو أتلَفُوا في غَيرِ هذا الحالِ (١).
إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا فيما لو كانَ معَ المُحارِبينَ صَبيٌّ أو مَجنونٌ أو ذُو رَحمٍ مُحرَّمٍ مِنْ المَقطوعِ عليه، هل يُقامُ الحَدُّ على الآخَرينَ؟ أم يَسقطُ الحَدُّ عن الجَميعِ؟
فذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ وزُفرُ إلى أنه لو كانَ في القُطَّاعِ صَبيٌّ أو مَجنونٌ أو ذُو رَحمٍ مَحرمٍ مَنْ المَقطوعِ عليهِ سقَطَ الحَدُّ عن الباقينَ؛ لأنَّ الجِنايةَ واحِدةٌ قامَتْ بالكُلِّ، فإذا لم يَقعْ فِعلُ بَعضِهم مُوجِبًا كانَ فِعلُ الباقي بعضَ العَلةِ، وبه لا يَثبتُ الحُكمُ، كالمُخطئِ والعامِدِ إذا اشتَركَا في القَتلِ، وأما إذا كانَ فيهِم ذو رَحمٍ مَحرمٍ مِنْ المَقطوعِ عليهِ فإنه يَسقطُ الحَدُّ عن الباقينَ؛ لأنَّ لِذِي الرَّحمِ شُبهةً في مالِ ذي الرَّحمِ؛ بدَلالةِ سُقوطِ القَطعِ عنه في السَّرقةِ، وإذا سَقطَ الحَدُّ صارَ القَتلُ إلى الأولياءِ، إنْ شاؤُوا قَتَلوا وإنْ شاؤُوا عَفَوا.
(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٩١)، و «المدونة الكبرى» (١٦/ ٣٠٢)، و «مواهب الجليل» (٨/ ٣٠٤)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٥٩٥)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٤٩٤)، و «المغني» (٩/ ١٣١)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٩٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٢٦١).